الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة الموكل-الوكيل في سوريا

تحدث مشكلة الموكل والوكيل عندما تتعارض رغبات أو أهداف الموكل والوكيل ويكون من الصعب أو من المكلف بالنسبة للموكل التحقق مما يفعله الوكيل. غالباً ما يقوم صانعو السياسة الأميركية وأفراد العمليات الخاصة بتقديم هذه المشكلة عند تقييم العلاقة بين الولايات المتحدة وشريكتها، قوات سوريا الديمقراطية في سوريا. فقد كانت أهداف كل من الموكل (الولايات المتحدة الأميركية) والوكيل (قوات سوريا الديمقراطية) متوائمة في فترة ما خلال العمليات القتالية واسعة النطاق من أجل هزيمة “داعش” الذي تم في عام 2019، واليوم، فإن المشهد في ساحة المعركة مختلف تماماً مما يستلزم إجراء مناقشات متجددة.

يتناول هذا المقال مسألة عدم وجود مشكلة الموكل-الوكيل بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا. وسيتم إثبات حقيقة أن قوات سوريا الديمقراطية تظل شريكاً يمكن الاعتماد عليه من أجل ضمان الهزيمة الدائمة لـ”داعش” ومواجهة شبكة التهديد الإيرانية وتجنب التصعيد مع تركيا. وسيتم النظر في هذا الإثبات من خلال ثلاثة تحولات أساسية في البيئة العسكرية منذ إدخال مستشاري العمليات الخاصة في عام 2015: الانتقال من العمليات القتالية إلى الأمن الإقليمي ومواجهة شبكة التهديد الإيرانية، والامتناع عن التصعيد مع أحد حلفاء الناتو.

التحدي التحولي الأول: من العمليات القتالية إلى الأمن الإقليمي

بدءاً من تشرين الثاني/نوفمبر 2015 حتى آذار/مارس 2019، قاتلت قوات العمليات الخاصة الأميركية مع شركائها قوات سوريا الديمقراطية جنباً إلى جنب لتحرير المدن من مقاتلي “داعش” وتدمير ما تبقى من خلافة داعش. وكانت معركة الباغوز فوقاني آخر هجوم تقوده قوات سوريا الديمقراطية بدعم من القوات الأميركية للقضاء على الدولة الإسلامية في معقلها الأخير في شمال شرقي سوريا. وبعد المعركة التي استمرت لمدة شهر، تم نقل مقاتلي داعش الأسرى إلى العديد من مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، أي إبقاء الخلافة في الحجز. وكان نقل مقاتلي داعش إلى مراكز الاحتجاز نقطة مفصلية في الحملة الأميركية لهزيمة داعش مع انحسار العمليات القتالية الرئيسية على طول وادي نهر الفرات الأوسط. ثم أخذت المهمة منحى جديداً تركز على إبقاء الخلافة في الحجز ومنع إعادة ظهور داعش. ولحسن الحظ، بقيت قوات سوريا الديمقراطية ملتزمة بالجهود الجديدة كما كانت في العمليات القتالية السابقة.  

ولكي تبين التزامها بالتحدي الجديد، أعادت قوات سوريا الديمقراطية تنظيم نفسها من خلال نقل العديد من القوات المقاتلة إلى قوات الأمن الداخلي التي تعمل على حراسة مراكز الاحتجاز وحماية البنية التحتية البترولية الحيوية وتأمين مخيمات النازحين. كما أن ضمَّ ما يقرب من نصف صفوف قوات الأمن الداخلي للعرب من القبائل المجاورة أدى إلى ضمان الحفاظ على توازن عرقي لقوات سوريا الديمقراطية مع بدء جهود قوات الأمن في تجاوز العمليات العسكرية. وقامت قوات الأمن الداخلي بتشكيل وحدات متخصصة مثل قوات مكافحة الإرهاب (Hêzên Antî-Teror – HAT) لتوجيه ضربات دقيقة تماماً مثل فرقة التدخل السريع التابع للقوات الأميركية (SWAT). وقامت هذه القوات بتنفيذ عملياتها بناء على معلومات استخبارية مقدمة من مكتب الخدمات العامة الذي تم تشكيله حديثًا. وفي ظل هذا النموذج، أصبحت قوات الـHAT فعلياً القوة الأولى في شمال شرقي سوريا، مما أدى إلى ظهور بيئة أمنية مستقرة نسبياً.   

وأوصت القوات الخاصة الأميركية بالتحول من قوة ذات توجه قتالي إلى جهاز أمني إقليمي، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية تصدرت العمل في هذا المسعى من تلقاء نفسها، وتأقلمت قوات سوريا الديمقراطية مع المشهد العسكري المتغير وأظهرت الاستمرارية في أهداف الموكل-الوكيل خلال التحول الأول. إلا أن التحدي التحولي الثاني سيختبر ولاء قوات سوريا الديمقراطية بطريقة جديدة تماماً.   

التحدي التحولي الثاني: مواجهة شبكة التهديد الإيرانية (ITN)

تستفيد الحكومة الإيرانية – في جوهر استراتيجيتها العسكرية – من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني لبناء تحالف من الوكلاء والشركاء لمواجهة النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة في سوريا. وتدعم استراتيجية إيران شبكات سرية تحمي الاستثمارات الإقليمية للحكومة الإيرانية. وتوفر هذه الشبكات لإيران أقوى أدواتها للتأثير على أجندتها. فعلى طول وادي نهر الفرات الأوسط في محافظة دير الزور، تستخدم شبكة ITN مجموعات الميليشيات الإيرانية المتحالفة كشبكة بديلة لها. وتعتبر طبيعة دير الزور غير الخاضعة لأي حكم نقطة اشتعال لنشاط المليشيات لأنها تتيح حرية الحركة وتوفر ملاذاً يمكن من خلاله شن هجمات على القوات الأميركية في المنطقة. وأدى تكرار الهجمات بالنيران غير المباشرة من قبل المليشيات الإيرانية على قوات العمليات الخاصة الأميركية إلى وهن عزيمة الولايات المتحدة في المنطقة. هنا يطفو سؤال جديد على السطح: هل ستبقى قوات سوريا الديمقراطية عاملاً جذاباً في التنافس مع إيران ووكلائها؟ هذا السؤال هو أساس التحدي التحولي الثاني في العلاقة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية.  

يمكن الإجابة على هذا السؤال من ثلاثة جوانب: أولاً، الجانب العسكري: تبقى قوات سوريا الديمقراطية ملتزمة بالمساعدة في تأمين القوات الأميركية في وادي نهر الفرات الأوسط، وقد لعبت قوات سوريا الديمقراطية دوراً حيوياً في الدفاع الذاتي الجماعي للقوات الأميركية من خلال العمل كقوة تدخل سريع وتقديم تقييمات أضرار المعركة بعد الهجمات التي شنتها المليشيات الإيرانية. ثانياً، الجانب السياسي: أدان كبار قادة قوات سوريا الديمقراطية إيران لقتلها مؤخراً مهسا أميني، وأبدوا نفس الأيديولوجية التي يتبناها الغرب من أجل النهوض بحقوق المرأة على الصعيد العالمي وتعزيز الخطاب ضد النظام الإيراني. ثالثاً، تبقى قوات سوريا الديمقراطية ملتزمة بالأهداف الإقليمية للولايات المتحدة على الرغم من حالة الغموض المتعلقة بالتدخل الأميركي في سوريا مستقبلاً. وتخشى قوات سوريا الديمقراطية من انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، وهو خوف مبني إلى حد كبير على تصريحات دبلوماسية سابقة لواشنطن. ورغم ذلك الخوف ومعرفة حقيقة أن الإيرانيين سيحاولون ملء الفراغ عند انسحاب الولايات المتحدة، تواصل قوات سوريا الديمقراطية التحوط في رهاناتها والوقوف إلى جانب القوات الأميركية. وإذا كان الإيرانيون يهددون عزيمة القوات الأميركية في الجنوب، فإنه يتم اختبار تصميم قوات سوريا الديمقراطية إلى حد أكبر بكثير من حليف الناتو في الشمال.

التحدي التحولي الثالث: منع التصعيد مع حليف الناتو

أدى القصف التركي لمواقع قوات سوريا الديمقراطية في شمالي سوريا إلى تشكل التحدي التحولي الثالث – على الرغم من أن التهديد التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية يلوح في الأفق منذ سنوات عديدة. تعزز الضربات الجوية التركية خطر التصعيد بين قوات سوريا الديمقراطية وحليف الناتو في المنطقة، مما يشكل انقساماً في المصالح الإقليمية للولايات المتحدة. تدعي تركيا أن العديد من كبار قادة قوات سوريا الديمقراطية هم أعضاء في حزب العمال الكردستاني (PKK)، التي تصنفها تركيا منظمة إرهابية، وهذا التصنيف يحفز تركيا على استهداف مواقع قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود الشمالية. وكان تمثل رد الولايات المتحدة بإدانة الضربات الجوية التركية والدعوة إلى وقف التصعيد بينما تحاول في نفس الوقت التوسط نيابة عن قوات سوريا الديمقراطية لإبداء التضامن.  

إن خطر التصعيد مع تركيا على الحدود الشمالية أكبر مما هو مع المليشيات الإيرانية في الجنوب. ومع ذلك، فقد امتنعت قوات سوريا الديمقراطية عن التصعيد باستثناء بعض المناوشات. ولا ينبغي تجاهل براعة قوات سوريا الديمقراطية في الدبلوماسية وفهم الخطوط الحمراء الاستراتيجية، فقد قامت قوات سوريا الديمقراطية بصقل هذه المهارات على مر السنين في الوقت الذي يستمر بقائها ضمن الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن ضبط النفس الذي تمارسه قوات سوريا الديمقراطية عن التصعيد مع حليف في الناتو أمر مدروس، ويتفهم كبار القادة داخل قوات سوريا الديمقراطية عواقب ذلك. وفي هذا السياق، ينبغي النظر إلى أفعال قوات سوريا الديمقراطية كعملاء في شمال شرقي سوريا على أنها ردود غير تصعيدية وعقلانية، في ضوء ظروفهم التي يعيشونها.  

في الختام، عند النظر إلى تأقلم قوات سوريا الديمقراطية مع التحديات التحولية الثلاثة في شمال شرقي سوريا تختفي مشكلة الموكل-الوكيل. وتتوافق قوات سوريا الديمقراطية مع استراتيجية الولايات المتحدة ومصالحها الإقليمية وتبقى ملتزمة بدعم أهداف الولايات المتحدة ضد منافسينا على الرغم من الغموض في سياسة الولايات المتحدة. كما انتقد كبار قادة قوات سوريا الديمقراطية الإجراءات الأخيرة للنظام الإيراني وانحازوا أيديولوجياً إلى القيم الغربية بخلاف تلك التي تقتصر على العمليات الحربية. ويُظهر تفهم قوات سوريا الديمقراطية لالتزامات الناتو أيضاً مستوى غير مألوف من الاحتراف عند تقييمه مقارنة بشركاء إقليميين سابقين للولايات المتحدة. لقد أتى الاستثمار الأميركي في قوات سوريا الديمقراطية ثماره حتى الآن وسيستمر هذا الاستثمار خلال التحدي التحولي القادم.  

المقال كتبه شان دوميت لصحيفة سمول ورز وترجمته نورث برس