المهن اليدوية في دمشق من التاريخ العريق إلى ضحية حرب
دمشق – صفاء الصلال – NPA
تضفي المهن اليدوية في الوقت الرهن، لمسات الجمال على دمشق، التي تعد واحدة من أعرق المدن في التاريخ، لتبقي على الصناعات المهددة بالزوال، كمصدر رزق الكثيرين، وكمصدر هام لجذب السياح، بسبب مهارة وتقانة صنعها.
تنتشر عشرات الحرف اليدوية في معظم أحياء دمشق القديمة، وفي مناطق التكية السليمانية وخان باشا وباب توما وغيرها، وبينهم من أدخل لمساته الخاصة عليها، وسميت نسبة إليهم.
الفوانيس والخشب العجمي
نورث برس تجولت في سوق المهن اليدوية بدمشق، التي تقسمت إلى اجزاء عديدة منها صناعة الثريات والفوانيس.
إذ أكد حرفيون وعاملون في هذه المهنة، أن صناعة الفوانيس نشأت منذ عهد المماليك في القرن الثالث عشر، واقتصرت آنذاك على صناعة المصابيح الصغيرة.
وأضافوا بأن حرفيوها طوروها وأدخلوا عليها تعديلات جديدة منها الخرز والنحاس والزجاج والكريستال، حتى غدت حرفة عالمية، وزينت شوارع دمشق بها، وحتى البيوت الدمشقية.
فيما استمد حرفيو النقش على الخشب "العجمي"، الأشكال المستخدمة بالنقش من التراث المعماري والفني للفترات التاريخية المختلفة، التي مرت على المدينة، كالفترة الأيوبية والمملوكية والفاطمية وغيرها.
وأكد عاملون فيها لـ"نورث برس" أنهم يستخدمون معظم أعمال النقش، كأجزاء من الأثاث الخشبي للبيوت الدمشقية، والتي تعتبر تحف فنية متفردة لجودة صناعتها.
الزجاج والبروكار
فيما برع في صناعة الزجاج اليدوي فنانون وحرفيون شعبيون، من نفخه وتكييفه قبالة أفران الطين والآجر ذي البلّور السائل.
ونشأت هذه الصناعة, وفق حرفييها, منذ القرن الرابع عشر والخامس عشر، والتي تتميز بالدقة والبراعة في التلوين أو التزجيج، وتتنوع أشكالها وزخارفها وتعدد ألوان دهانها، ومن أشهر أنواع الخزفيات الخزف المحلى بالزخارف، ذات البريق المعدني اللامع.
في حين قال حرفيون في مهنة البروكار الدمشقي، بأنه يصنع من الكتان والقطن والصوف والشعر والحرير.
وتعرض منتجات البروكار في خزائن قاعة الأزياء الشعبية بقصر العظم الدمشقي الشهير، وفيها العديد من الألبسة المطرزة يدوياً من أثواب وسراويل وصدريات ومحارم وقبعات وأكياس تبغ ونقود.
في حين قال عاملون في المهنة، أن صناعة البروكار تعود إلى نحو ثلاثة قرون في دمشق وحلب كبرى المدن السورية اللتين تخصصتا بالبروكار الحريري، ذي الخيوط الذهبية والفضية والمقصبة، وذي الرسوم والتزيينات الفريدة، في حين يستخدم اليوم لتنجيد المفروشات وصنع الحقائب الفاخرة.
القبقاب الدمشقي
لا يزال يحظى القبقاب الدمشقي بمكانة خاصة عند الدمشقيين الذين تفردوا بصناعته، حيث يصنع من خشب الجوز والصفصاف والتي تتواجد أشجارها بوفرة على طول نهر بردى. ويباع بشكل أساسي في سوق القباقبية في دمشق القديمة.
وأكد حرفيوها أنهم لا يزالون يواظبون على صناعتها بكميات جيدة، حيث لا تزال القباقيب تستخدم في الحمامات العامة في المدينة القديمة، ويعرض في قصر العظم اليوم قبقاب فاخر مطعم بالصدف، كان يستخدم في الأعراس الشامية التقليدية.
أسباب التراجع
أسواق الحرف اليدوية بدت شبه فارغة، إذ تحدث باعة وعاملون في هذه المهنة، لـ"نورث برس" (فضلوا عدم ذكر اسمهم) أن اسواق الحرف اليدوية في غالبيتها بقيت شبه فارغة نتيجة الحرب التي أثرت عليها بشكل كبير.
وأكدوا أن بعض الحرفيين فضلوا الهجرة على البقاء في دمشق ومتابعهم عملهم ضمن مهنتهم التي أتقنوها، كما أن الظروف الاقتصادية المتردية بالإضافة إلى التفات معظم الزبائن لمواكبة التطور في عالم الحرب والأزياء وغيرها أبعدهم عن الحرف اليدوية ومنتوجاتها.
في حين أجمع حرفيو أسواق دمشق القديمة أسباب تراجع حرفهم اليدوية، لغلاء أسعار المواد الأولية، وأولها الخشب، وأجور العمال، إضافة إلى صعوبة تسويق المنتجات، وعدم وجود اهتمام كافي من الجهات المعنية بأصحاب الحرف، رغم ضرورة الحفاظ على هذه الحرف اليدوية واحتضانها لكونها تعكس التاريخ الدمشقي.