تزامناً مع أسوأ الأزمات.. هل دمشق قادرة على استقبال اللاجئين من تركيا؟
دمشق ـ نورث برس
كان موضوع عودة المهجرين هو الأبرز بين الملفات التي تم طرحها بالتزامن مع الأخبار الواردة عن التطبيع بين دمشق وأنقرة، تزامناً مع أسوأ الأزمات المعيشية التي تعيشها مناطق نفوذ الحكومة السورية في ظل انهيار تاريخي لليرة السورية.
وكان السؤال الأكثر تردداً ضمن مناطق الدولة السورية: “هل يمكن للحكومة تقديم الخدمات للمهجرين العائدين إلى مناطق أغلبها منكوبة طالما هي عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات للسكان المتواجدين حالياً في مناطقها؟”.
تشير الأرقام المتداولة، أن أعداد السوريين الموجودين في دول الجوار تصل إلى نحو 5 ملايين شخص، ففي تركيا يصل العدد إلى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري، وما يفوق المليون ونصف في لبنان، وتصبح الأعداد أقل من ذلك في الدول المجاورة، فيما لا تتوفر أي إحصائية عن عدد المتواجدين في مناطق سيطرة الحكومة السورية حالياً.
يشكل هذا الرقم نسبة لا بأس بها من عدد سكان سوريا المقدر بنحو 17 مليون نسمة، وعودة هذه الأعداد تحتاج للكثير من المساعدات والدعم.
اقرأ أيضاً:
- مع حلول عام 2023.. الأسعار تتضاعف في مناطق الحكومة والقدرة الشرائية للسوري ثابتة
- أزمة المحروقات.. وعود حكومية غير ناجعة لحلها جذرياَ
- “مول الدراويش”.. أسواق باب جنين مقصد لمعظم سكان حلب
- مناطق سيطرة الحكومة في نهاية 2022.. تقارب سياسي وانهيار اقتصادي
لا أموال للإعمار
لم تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بعد، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المساكن التي تعرضت للضرر في مناطق سيطرة الحكومة السورية لا يقل عن 215 ألف وحدة سكنية.
وتشير التقديرات أيضاً إلى أن إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى ما لا يقل عن 400 مليار دولار، وأنه حتى الآن لا يوجد أي بوادر للحصول على مساعدات أوروبية أو خليجية لإعادة الإعمار، حسب تأكيد أحد الخبراء المقيمين في ألمانيا لنورث برس، ويشترط الغرب الوصول لحل سياسي لدفع أموال إعادة الأعمار.
وأرجع الخبير الذي فضل عدم ذكر اسمه، ذلك لأسباب كثيرة، “وإذا كان ذكرها لا يحل الأمر، فإن الأهم أن تعمل الحكومة السورية بطريقة مختلفة على التفكير للتعامل مع موضوع إعادة الإعمار”.
ويرغب الكثير من السوريين بالعودة إلى بلادهم رغم ظروف الحياة القاسية التي يعيشها أغلبهم خاصة في المخيمات.
وبالمقابل يتخوف الكثير منهم من العودة إلى سوريا ليس لأسباب أمنية فحسب، ولكن بسبب نقص الخدمات الكبير، في المناطق المأهولة، فكيف الحال مع المناطق المهدمة التي ينتمي إليها الكثير منهم؟.
بلا إرغام
وهذا ما دفع بعض الجهات المتابعة لموضوع حقوق الإنسان إلى التحذير من إرغام السوريين على العودة خاصة من تركيا، وتشير التقارير الميدانية إلى أن عدد الأشخاص الذين دخلوا الحدود السورية عبر المعابر الحدودية (باب الهوى، وباب السلامة)، وتل أبيض يصل إلى نحو 50 ألفاً خلال العام الماضي.
وللحكومة السورية مبرراتها التي يقدمها المسؤولون فيها، من الحديث عن حصار اقتصادي وخسارة عوائدها من النفط إلى مشاكل استيراد وتأمين المواد المطلوبة، وكل هذا يفرض عليها تقديم أسوأ الخدمات.
وبينت وزارة الكهرباء في الحكومة السورية، في أحدث تصريحاتها أن دمشق مثلاً تحتاج إلى 1300 ميغا من الكهرباء، بينما المتاح لا يتجاوز 400 ميغا، وأن سوريا تنتج 3 آلاف ميغا، في حين تصل حاجتها إلى 10 آلاف.
وإذا كان هذا حال الكهرباء التي يتسبب انقطاعها الطويل في شلل بكل مفاصل الحياة، فإن باقي الخدمات ليست أفضل حالاً، حيث تقدم شركتي الاتصالات “سيرتيل وإم تي إن” أسوأ الخدمات، رغم أن مداخيل تلك الشركات بالمليارات كما يشير بعض العاملين فيها لنورث برس.
ولكن دائماً هنالك مشكلة في الاتصال وغياب الإنترنت. والمبرر الذي يقدمه القائمون على الاتصالات هو الانقطاع الطويل للطاقة الكهربائية.
وكذلك الحال مع الخدمات الأخرى من توفر المياه سواء للشرب أو الري، وسوء شبكة الطرقات، ونقص وسائل النقل، وكل ما يحتاجه السكان في حياتهم اليومية.
لا يمكن
خبير اقتصادي، يقيم في دمشق، يقول لنورث برس، إنه لا يمكن لسوريا في المدى المنظور تقديم الخدمات للمهاجرين العائدين إليها سواء كان عددهم كبيراً أم صغيراً.
ولكنه اقترح تقديم خدمات بشكل غير مباشر، كـ”تشجيع العائدين لإعادة إحياء ورشاتهم ومعاملهم عن طريق تقديم التسهيلات المطلوبة لذلك، بحيث يتمكنون من إنتاج ما كانوا يصنعونه في الدول المجاورة في بلدهم، وتقديم التسهيلات لإعادة تصديره خاصة مع اقتراب موعد فتح الأسواق بين دمشق وأنقرة”.