التنقيب عن الآثار وترويجها تحت راية تحرير الشام تنشط في إدلب

إدلب ـ نورث برس

تنشط عمليات التنقيب عن الآثار في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بالتوازي مع نشاط تسويقها بالتنسيق مع الجانب التركي عبر سماسرة معتمدين لدى الهيئة وأصحاب نفوذ لدى الاستخبارات التركية.

ورغم حظر هذا النشاط في جميع دول العالم، إلا أن حكومة الإنقاذ الجناح المدني لهيئة تحرير الشام وعلى غرار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تشرعن هذا النشاط عبر منح تراخيص وتسهيلات للمنقبين عن الآثار، معتبرة نفسها “شريكاً” إن لم تكن هي “المستفيد الوحيد”.

يقول أبو محمد جمال سعدالدين، أحد إداريي وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة الإنقاذ، إن مسألة التنقيب عن الآثار وتسويقها “مشروعة في إدلب وريفها خلافاً لبقية الحكومات التي تحظر ذلك”.

لكنها، بحسب “سعدالدين”، مسألة “محكومة بضوابط وشروط تضمن للمستفيد عمله ولخزينة الهيئة حقها، وتُمنح عبر فترات ولأشخاص محددين ومعروفين لدى الهيئة”.

شروط التنقيب

وأبرز الشروط المطلوبة لمنح الترخيص: أن يكون المستفيد “مزكى” أي أنه له تزكية من أحد أمراء الهيئة، وذو خبرة في مجال التنقيب ومواقعه أيضاً استناداً إلى علامات أثرية ترجح وجود لقى أثرية أو معرفة نوعيتها.

وتمنح الرخصة أو التسهيلات لمدة يتم الاتفاق عليها بين مكتب “الركاز”، (مكتب الثروات الباطنية) التابع لهيئة تحرير الشام وهو المخول بمنح الرخصة، وبين المستفيد.

ومن الشروط أيضاً، أن تتم عملية التنقيب بوجود خبير في الآثار من حيث قيمتها ونوعيتها وكيفية استخراجها بطرق لا تضر بالمنحوتات المستخرجة مع وجود مراقب أو مشرف على عمليات الحفر من بدايتها وحتى نهايتها.

ويتحصل مكتب “الركاز” على نسبة تتراوح بين 25% و35% من قيمة المستخرجات، تبعاً لنوعيتها وقيمتها السوقية، ويتحمل المستفيد كافة تكاليف التنقيب، بحسب “سعدالدين”.

علامات متوفرة

حمود أبو صادق (42 عاماً) من سكان البوكمال شرق ديرالزور، ومن ممتهني عمليات التنقيب عن الأثار، يقول إن “المواقع الأثرية والعلامات الأثرية متوفرة بشكل كبير في ريفي إدلب الشمالي والغربي بشكل أساسي، خصوصاً وأن المواقع بعيدة عن القصف”.

ويشير في حديث لنورث برس، إلى أن استخراج رخصة أو تسهيل عمليات الحفر والتنقيب لا تستغرق أكثر من عشرة أيام “لوجود شخص معنا يهتم بهذا الشأن”.

وتدفع أجرة ساعية تصل لنحو 100 ليرة تركية لجهاز التنقيب والخبير باستخدامه، وحتى معدات الحفر، “وتعود كل هذه الأموال لخزينة الهيئة على اعتبار أن ما سبق ذكره تعود كلها بما فيها الخبير لملاك الهيئة”، بحسب “أبو صادق”.

ويضيف: “الخسارة الكبرى بالنسبة لنا هي أن يتم دفع مبلغ كبير وجهد أكبر دون أن نعثر على شيء ذي قيمة”.

ويشدد “أبو صادق”، على أن “الأثار طبعاً ممنوعة في جميع المناطق التي تحكمها حكومات معترف بها”.

ولكن “في مناطق المحرر لا يوجد ما يمنع ذلك بل يكفي أن تدفع للجهات ذات العلاقة، النصيب المتفق عليه على أن تتم غالبية عمليات الحفر من بعد صلاة العصر وحتى ساعات الفجر”، بحسب “أبو صادق”.

وفيما يتعلق بعملية التسويق يقول جلال التركمان، أو كما يعرف بالـ”البرنس”، وهو أحد سماسرة الآثار في عموم مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، إن “عمليات بيع الآثار في إدلب أو عفرين وغيرها، لا تقتصر على الآثار المستخرجة من هذه المناطق عبر بعض المستفيدين، وانما تعتبر الآثار التي تصلنا من مناطق النظام هي الأبرز والأعلى ربحية”.

وأرجع السمسار، السبب في ذلك إلى أن هيئة تحرير الشام ورغم “التسهيلات التي تقدمها لنا بالنسبة لتسويق القطع الأثرية الحجرية منها والمعدنية نحو تركيا، إلا أنها صاحبة الاستفادة الأعلى، فهي تأخذ من الباحثين نحو 30% من قيمتها، وأيضاً تحصل منا على مبالغ مالية على التسهيلات الأمنية المقدمة من قبلهم وبصورة مقطوعة، تصل إلى 10% من قيمة عمولة السمسرة”.

وتقلُّ عمليات البحث الأثري والتنقيب في فصل الشتاء بسبب الطقس الذي يعيق عمليات الاستكشاف، وتنشط خلال فصلي الربيع والصيف.

وقال “البرنس”، في حديث لنورث برس: “طبعاً كل عمليات البيع والتسويق والنقل كانت تتم تحت أعين الاستخبارات التركية دون أي تدقيق وذلك مقابل مبالغ مالية تمنح لهم من الطرف المشتري وغالباً ما يكون تركي الجنسية أو بلغاري”.

آثار التطبيع

ولكن بعد إعلان تركيا نيتها التطبيع مع حكومة دمشق، والاجتماع الذي جرى في موسكو بين بين وزراء دفاع الدول الثلاث (تركيا، سوريا وروسيا)،  تزايد الإعلان من السلطات التركية عن القيام بضبط آثار مهربة من سوريا.

وأشارت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، إلى أن مواقع إلكترونية داعمة للمعارضات نقلت عن وزارة التجارة التركية قولها في بيان، إن فرق الجمارك في معبر “جيلفي غوزو” الحدودي، لاحظت وجود جزء مغطى بقطعة قماشية بين عجلة القيادة والزجاج الأمامي لسيارة قادمة من الأراضي السورية، ما دفعهم إلى تفتيش السيارة ليجدوا تماثيل أثرية تجسد شخصيات بشرية وحيوانية مختلفة مخبأة تحت الغطاء.

وأشار تقرير مديرية المتحف في تركيا، إلى أن التماثيل تعود لفترة ما بين 2750 إلى 2250 قبل الميلاد، وتشبه الأشكال الموجودة في مقابر ملك “أور” والمعروضة في متاحف دير الزور في سورية وبريطانيا وبغداد في العراق واللوفر في فرنسا وجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية.

وذكر بيان وزارة التجارة أن تركيا تحفظت على القطع الأثرية التي ثبت أصالتها، ووضعتها تحت الحماية، في حين فتح مكتب المدعي العام التركي في منطقة الريحانية تحقيقاً بالحادثة.

وفي الرابع العشرين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت سلطات الإدارة التركية أنها ضبطت نسخة أثرية من التوراة تعود لمئات السنين في ولاية غيرسون مهرّبة من سوريا، خلال محاولة بيعها مقابل مليون ونصف المليون دولار.

إعداد: هاني سالم ـ تحرير: قيس العبدالله