دمشق – أحمد كنعان – NPA
تسببت العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا بنزوح مئات آلاف المدنيين من أماكنهم وقتل المئات منهم، واضطر الكثير من النازحين إلى الخروج من مناطق الشمال السوري إلى إقليم كردستان العراق المجاور أو بلداتٍ أخرى لم تطلها المعارك، فيما اضطر البعض إلى التوجّه نحو الداخل السوري.
التقت "نورث برس"، مع محمد شمدين وهو نازح من مدينة الدرباسية في شمالي سوريا إلى دمشق، ونقلت عنه تفاصيل قصة النزوح التي كانت مثيرة ومليئة بالخوف والقلق والتحديات المستقبلية.
هرباً من الموت تحت القصف
يروي شمدين رحلته الطويلة ويقول: "في اليوم الأوّل للعدوان التركي وبعد الهجوم على رأس العين بدأ القصف على الدرباسية حوالي الساعة الرابعة عصراً وكان الامر مرعباً للغاية وعلى الفور بدأت حركة النزوح وكانت في أغلبها مشياً على الأقدام".
ولكن لشمدين وضع آخر فأخته الكبرى التي كانت معلّمة مدرسة، أصيبت نتيجة خطأ طبيّ بداء "بُورغر" أدى إلى بتر أصابع قدميها، لذلك كان محتاجاً لوسيلة نقل.
ويضيف، "أوقفتُ سيارة عابرة وشرحت وضعي فقبل أن ينقلني أنا وشقيقتاي إلى بيت عمتي في قرية "أم الشوالي" في بلدة أبو راسين، حيث كان الجميع مضطرين للذهاب باتجاه الحسكة لأن كل الطرق الأخرى كانت مقطوعةً بسبب النيران التركية، وعشنا وقتاً عصيباً لأن خطر القذائف العشوائية كان مُحدقاً في كل لحظة".
وبعد أسبوع على مكوثه عند أعمامه، يضيف أن بلدة أبو رأسين/زركان شهدت عملية تسلٍّل من قبل عناصر المعارضة التابعة لتركيا، فاضطر الأهالي مرة أخرى إلى النزوح، ويقول شمدين: "وجدت نفسي في مأزق كبير حيث إن بقائي في بيت عمتي أصبح مُحرجاً فهم مضطرون للهرب من الموت وعشت وقتاً عصيباً وصارت كل جهات الأرض لا تعني إلا الضياع".
فكّر شمدين في الذهاب إلى إقليم كردستان العراق، ولكن المكوث في المخيمات ووضع شقيقته الصحي مع اقتراب فصل الشتاء لم يسمحا بالخروج، فقرّر الذهاب إلى دمشق.
يقول شمدين: "اتصلت بابن خالتي الذي يعمل سائقاً لسيارة إسعافٍ وكان حظي جيداً إنه سيأتي إلى مدينة الطبقة ليوصل أحد المرضى فتواعدنا على اللقاء في الطبقة لنذهب معه إلى دمشق".
رحلة الابتزاز والخوف والقلق
يستمر شمدين في رواية رحلته التي باتت خطيرةً ويقول إن الطريق الدولي M4 كان خطراً لتواجد عناصر المعارضة التابعة لتركيا في أجزاء منه، فاضطررنا إلى استئجار سيارة بمشاركة عائلة أخرى وسلوك طرقٍ فرعية كثيرة. ويؤكّد أنهم تعرضوا للاستفزاز حيث دفعت كل عائلة /50/ ألف ليرة سورية إلى الطبقة.
"كنت خائفاً من مفاجآت الطريق ومن القصف العشوائي وكذلك من السائق الذي كان يسلك طرقاً فرعية موحشةً وغير معبّدةً لينتهي القلق بوصولنا إلى الطبقة".
وانطلق شمدين من الطبقة إلى العاصمة دمشق برفقة ابن خالته، ولكن لم تكن لديه أية فكرة عن الصعوبات التي ستواجهه هناك.
من القصف الحربي إلى القصف المادي
يكمل شمدين أنه بعد وصوله إلى دمشق استضافه ابن خالته في بيته لمدة عشرة أيام ولكن بدأ بعدها بالبحث عن مسكنٍ مستقل، وهنا بدأت رحلته مع مشكلة أسعار البيوت والحصول على بيت مناسب.
يروي شمدين: "أجور السكن فاحشة الغلاء ناهيك عن الدفع سلفاً لمدة ستة أشهر إضافة لأجرة شهر كامل تدفع للمكتب العقاري "كمسيون" ومبلغ كبير للتأمين على العفش، هذا غير أن أغلب البيوت المعروضة للأجرة سيئة ولا تصلح للسكن".
يقول شمدين إنه وجد نفسه بحاجة ثروة حتى يستطيع السكن مستقلاً، ولولا أن أخاه الذي يعمل في الإمارات ساعده بمبلغٍ من المال لما استطاع الحصول على المسكن.
هنا يتذكر شمدين مدينته الدرباسية التي كانت المعيشة فيها رخيصةً مقارنة بدمشق، ويستفيض بحزنٍ عميقٍ "تركت خلفي منزلاً كبيراً بمساحة /400/ متر في مدينتي، وكانت حياتي كريمة فيها".
ولدى سؤاله عمّا يخطط له في المستقبل وماذا ينوي أن يفعل، يقول: "لا أرى شيئاً واضحاً فالغموض والضباب يلفان المستقبل، فقد كنت قبل الحرب التركية مهتماً في تأمين العلاج لشقيقتي التي كانت ضحية خطأ طبيّ والآن أصبحت همومي أكبر فمن تأمين السكن إلى تأمين لقمة العيش ولا أدري إلى أين ستأخذني الأيام".
يذكر أن محمد شمدين كان طالباً في الجامعة بكلية الحقوق، ولكنه اضطر إلى تركها بسبب ظروف الحرب الدائرة في سوريا.