كيف قرأ سوريون عودة العلاقات السورية ـ التركية؟

دمشق ـ نورث برس

لم يترك الوضع الاقتصادي الخانق مجالاً لرؤية المشهد بشكل طبيعي أمام عامة السوريين، حيث تفاوتت التعليقات حول عودة العلاقات السورية ـ التركية.

ولكن الانطباع العام يوحي بأن الناس يريدون حلاً لما هم عليه، رغم أن الجراح التي تسبب بها النظام التركي للشعب السوري ما زالت نازفة، وقبور ضحاياهم لم تجف بعد، لكن حد الجوع الذي يعانيه السكان لم يترك الكثير من الخيارات لمواقف تتناسب مع المصائب التي جاءت من سياسة أردوغان.

وكانت ردود الفعل توحي بأنهم ينظرون لخبر عودة العلاقات بين البلدين بمثابة المنقذ اقتصادياً، بينما شبهها البعض الآخر بـ”نظرة الغريق إلى القشة كمنقذ”.

والأربعاء الماضي، عُقد في العاصمة الروسية موسكو، اجتماع ثلاثي على مستوى وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا.

وقالت الدفاع الروسية إنَّ المجتمعين “ناقشوا سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين السوريين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا”.

وأمس السبت، دعا وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، لعقد اجتماع ثلاثي مع نظيره السوري فيصل المقداد، والروسي سيرغي لافروف في النصف الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري.

وشدد تشاووش أوغلو، على أنه يجب عقد اللقاءات واستمرارها وتطويرها من أجل نجاح عملية التطبيع مع سوريا.

بلا دبلوماسية

خبر عودة العلاقات، لم يحمل بين طياته أي كلام دبلوماسي، فقد نشر رئيس اتحاد غرف التجارة السابق فارس الشهابي على صفحته: “أحياناً يضطر صاحب الحق للجلوس مع سارق بيته، لاسترجاع بعضٍ مما سرق منه..! بالنسبة لنا أردوغان يبقى لص حلب وقرصان سوريا، ولن نثق به أبداً حتى لو عادت العلاقات الثنائية إلى مجاريها”.

وأضاف الشهابي، أن “حلب دفعت ثمناً كبيراً بسبب دعم أردوغان للإرهاب. معاملنا سرقت، ومدينتنا القديمة حرقت ونهبت، وخسرنا ١١ ألف مدني بالقصف، وأكثر من خمسين ألف جريح، وتشرد مليون شخص من مدينتنا”.

وأكمل: “أكثر من ٢٨ موقع أثري حول القلعة تم تفجيره، وغرفة الصناعة تم تفجيرها بنفق منذ ٨ سنوات.. لذلك نحن نتكلم من وجع ومعاناة ونأمل أن لا يتكرر ذلك بنا من قبل هذا اللص وأمثاله”.

سيكون أفضل

في حين هنالك اقتصاديون كانت لهم رؤية أكثر إيجابية لما يمكن أن يتحقق في المجال الاقتصادي، حيث قال خبير اقتصادي لنورث برس، فضل عدم ذكر اسمه، إنه يستطيع طمأنة الناس بأن العام المقبل “سيكون أفضل”، وأنه بناء على ما جاء في بيان اللقاء الثلاثي (الروسي السوري التركي) وإذا سارت الأمور وحصل الاتفاق مطلع هذا العام “فيجب على الدولة السورية، إدخال البضائع عن طريق الحدود التركية السورية، وفتح المعابر مع تركيا”.

وأشار إلى أن ذلك “سيحقق زيادة في عرض البضائع في الأسواق السورية، ويخفض الأسعار بنسبة تصل إلى 40% خلال أسبوعين من دخول البضائع، وسيساهم ذلك في تراجع سعر الصرف بعد انخفاض الطلب عليه بقصد تمويل الاستيراد، وارتفاع الطلب في السوق الأمر الذي سيساهم في تحسين واقع الإنتاج”.

ويتوقع الاقتصادي أن يسعى الجانب التركي لدخول السوق السورية “المتعطشة لكل شيء”، الأمر الذي سيوفر بضائع بحسومات كبيرة، إضافة لتوفير أجور الشحن المرتفعة كثيراً.

ذوبان الاقتصاد

ليست الرؤية الاقتصادية عند الخبير الاقتصادي والصناعي، أيضاً متفائلة بعودة العلاقات الاقتصادية مع تركيا.

وأشار إلى أن هذه السياسية طبقت في 2008 وتسببت بالقضاء على الكثير من الشركات والمعامل في سوريا، وأن دخول البضائع التركية إلى الأسواق السورية، يعيني “ذوبان الاقتصادي السوري الضعيف بالاقتصاد التركي القوي من جميع النواحي، وإضعاف الليرة السورية أكثر”.

فالبضائع التركية تتمتع بالمنافسة من ناحية الجودة والسعر بالمقارنة مع المنتج المحلي الذي فقد كل مقومات المنافسة بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج.

وأضاف الخبير لنورث برس، أن بيئة العمل الموجودة حالياً في سوريا قد تكون “عاملاً مسبباً لهروب الصناعيين في البلد إلى تركيا”، ومن ثم إدخال بضائعهم لسوريا مستفيدين من التسهيلات التي تعطيها تركيا لتشجيع التصدير، على عكس ما يحصل في سوريا من عقبات أمام المصدرين.

ولتجنب سياسة إغراق السوق السورية بالبضائع التركية يرى الخبير الاقتصادي أنه يجب اتخاذ عدة خطوات هامة منها: “تجنب سياسة إغراق الأسواق بالبضائع التركية، والعمل على تحقيق التوازن بين ما يدخل من سلع وما يصل تركيا من سلع سورية”.

ويركز الخبير الاقتصادي على ضرورة “فرض ضرائب على البضائع التركية، والاكتفاء باستيراد المواد الأولية والبضائع المنتجة للدخل”.

لا تستطيع المنافسة

وبنظرة لا تخلو من التشاؤم عقب صناعيون لنورث برس، أنه من الصعب منافسة البضائع التركية سواء في المجال الصناعي أو الزراعي “ونحن في هذه الظروف”، بينما المنتج التركي يستطيع العمل والتحرك بحرية في كل دول العالم.

أما من حيث المشاكل الداخلية، فأضافوا: “فحدث عنها ولا حرج”، وكل هذا ينتهي بإغراق الأسواق السورية في المنتجات التركية على حساب المنتج المحلي، مذكرين بما حصل في 2008 عندما أغرقت الأسواق ببضائع تركية لا تستطيع المنتجات السورية منافستها.

لتحسين صورته

في حين عد اختصاصي في العلاقات الدولية، أنه لا داعي للتفاؤل بهذه الخطوة، لأن “من هو بحاجة لن يعطيك شيئاً”، والخطوة الأولى التي يسعى إليها أردوغان هي إعادة نحو مليون ونصف المليون سوري موجودين في تركيا إلى سوريا، من أجل رفع أعداد مؤيديه في الداخل التركي قبل الانتخابات، ووضع الدولة السورية في مواجهة مع خصومه، وأن عودة العلاقات “لن تكون إلا بالحجم الذي يخدم حملته الانتخابية”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله