هجرة “بلا عودة” وتأمين لقمة العيش.. أمنيات سكان في حلب للعام الجديد
حلب- نورث برس
الأمر الوحيد الذي يهتم به عبد الباسط جيلالاتي(35 عاماً) ببداية العام الجديد هو تأمين ما تبقى من المبلع المالي الذي يجمعه سنوياً لدفع إيجار منزله.
الشاب الثلاثيني الذي يعمل في ورشة أحذية بحي الكلاسة في حلب يحاول جهده أن يوفر مبلغ 150ألف ليرة شهرياً من مردوده البالغ 400 ألف ليرة كي يستطيع سداد مستحقات الإيجار.
يقول “جيلالاتي” إن العام الجديد لا يمثل له سوى مستحقات مالية يعاني الأمرين في سبيل ادخارها.
ومع استمرار تدهور قيمة الليرة السورية وتردي الوضع المعيشي، يواجه سكان في حلب تحديات جمة حول تأمين لقمة العيش.
ولا شك أن التدهور الاجتماعي والاقتصادي في سوريا هو الأسوأ منذ بداية الأزمة، بحسب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيثس.
أمام هذا الحال، لا يتوقع “جيلالاتي” أن يكون العام الجديد مختلفاً عما سبقه، “لن يختلف العام الجديد عن الحالي سوى بزيادة الأسعار وتدهور وضعنا المعيشي إلى أسوأ ما هو عليه الآن”.
ويضيف بتهكم حول حديث الحكومة عن انفراج بأزمة المحروقات والكهرباء، “جرعات التفاؤل التي نسمعها على شاشات التلفزيون الحكومية أو على مواقع التواصل الاجتماعي ماهي إلا استهزاء بنا وبمعاناتنا”.
وبحسب مبعوث الأمين العام الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن فإن السوريين يواجهون أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة داخل وخارج البلاد وفي كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق الخارجة عن سيطرتها.
ويعمل “جيلالاتي” أكثر من 12 ساعة في الورشة لقاء 100ألف ليرة اسبوعياً، ويتحتم عليه ادخار الإيجار السنوي للمنزل وشراء مستلزمات عائلته من طعام ولباس، إضافة لتكاليف فواتير الماء والهاتف وكهرباء الأمبيرات.
يضيف بينما كان عائداً من العمل، “هذا العام استطعنا تأمين الخبز، فهل سنفقده في العام الجديد! لا أحد يدري سوى الله والحكومة”.
ويستمر نزيف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، في تداولات السوق السوداء، حيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز 7000 ليرة .
هذا التدهور في قيمة الليرة، يتزامن مع ارتفاع جميع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.
أما حسين عجنجي (39 عاماً) فلا يأمل من العام الجديد سوى أن تتاح له فرصة للسفر خارج البلاد.
فالشاب الثلاثيني الذي قضى أكثر من 8 سنوات في الخدمة العسكرية الاحتياطية، سُرح أواخر العام الحالي وباشر بإجراءات استخراج جواز سفر أملاً في “هجرة بلا عودة”، على حد وصفه، فهو الآخر لا يبدو متفائلاً بتحسن الوضع الاقتصادي.
ويقول مستاء من الحال الذي يتجه للأسوأ منذ أكثر من عقد من الزمن، “لم نحقق في بلدنا سوى مزيد من اليأس والاحباط والعام القادم لن يختلف عما سبقه”.
ثم إن المسؤولين الحكوميين الذين يتحدثون عن انفراجات للأزمات، “لا يعانون من مشاكل الغاز والكهرباء والبنزين والمازوت ونقص بالتغذية”، على حد قول “عجنجي”.
ويضيف، “ماذا سيتغير في العام القادم؟ أين الحلول التي تقدمها الحكومة؟”
ويخشى مارتن غريفيثس ألا يوفر عام 2023 الكثير من الراحة للشعب السوري.
وخلال العام الجاري، عانت سعاد الحافظ(36 عاماً) من سكان حي السريان بحلب من صعوبة تأمين مواصلات لوصول إلى مكان عملها في مديرية التربية بحلب.
وتقول الموظفة إن راتبها يكاد لا يكفي أجور مواصلات للذهاب إلى عملها والعودة منه، “أخشى خلال العام القادم أن أضطر للاستدانة لأسدد تكاليف أجور النقل، كل عام يأتي أسوء وأصعب من سابقه”.
ولو أن الحكومة حلت مشكلة المحروقات ولو جزئياً، كان ذلك سيكون كفيلاً أن تغير “الحافظ” توقعاتها للعام القادم، “ولكن المسؤولون يطلقون كلاماً للتسويق والاستهلاك فقط”.
ولكن في جانب آخر، تشاهد “الحافظ” إعلانات لحفلات رأس السنة على واجهات المطاعم “الفاخرة” وفي شوارع الأحياء “الراقية” والحجوزات شبه كاملة، ما يدفعها للتساؤل، “هل نحن نعيش في كوكب وآخرون في كوكب مغاير!”، في إشارة منها إلى الفرق الواسع طبقات مجتمعها.
وتضيف، “لو سألت أغلب الناس في حلب ماهي أمنيتكم في هذا العام، ستكون الإجابة واحدة وهي الهجرة من هذا البلد”.