إدلب – نورث برس
أمام منزله في مدينة بنش شرقي إدلب، والتي تبعد عن مناطق سيطرة قوات حكومة دمشق، في سراقب والطلحية أقل من 12 كيلومتراً، يجلس الأربعيني أسعد سماق، يتابع بقلق التطورات العسكرية التي تشهدها المناطق المجاورة لمدينته منذ نحو نصف شهر وحتى هذا اليوم.
ويزيد التصعيد العسكري وعمليات التسلل المتبادلة مخاوف “سماق” من نزوح جديد نحو المجهول كما حصل قبل نحو ثلاث سنوات خلال الحملة العسكرية لقوات الحكومة وروسيا على ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.
ومنذ منتصف هذا الشهر، تشهد مناطق في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، عمليات تسلل وقصفاً متبادلاً بين هيئة تحرير الشام وقوات الحكومة التي ارسلت تعزيزات عسكرية مؤخراً إلى مدينة سراقب شرقي إدلب.
بينما تتحدث وسائل إعلام مقربة من هيئة تحرير الشام، عن نية الأخيرة شن عملية عسكرية جديدة في ريفي إدلب وحلب.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، رصدت نورث برس، قيام هيئة تحرير الشام بتنفيذ 10 عمليات تسلل ضد مواقع قوات الحكومة السورية في أرياف حماة وحلب واللاذقية وإدلب.
وكان آخر تلك العمليات في جنوب إدلب، حيث هاجمت الهيئة قريتي البريج ومعرة مرخص، وتمكنت من قتل نحو 15 عنصراً وتدمير دبابة، بينما تجاوزت حصيلة قتلى العمليات خلال الشهر الجاري الـ40 عنصراً من قوات الحكومة، بينهم 22 عنصراً اعترفت صفحات موالية بمقتلهم.
يقول “سماق” لنورث برس، إن سكان المدينة بشكل عام متخوفين من نزوح جديد في ذروة فصل الشتاء نحو المخيمات والمناطق الحدودية الأخرى التي نزحوا إليها قبل ثلاث سنوات مجبرين نتيجة هجوم قوات الحكومة وروسيا على المنطقة ووصولهم إلى أطراف المدينة.
ويشير إلى أن المخاوف اليوم، “ليست فقط مخاوف شن قوات النظام عملية عسكرية، بل مخاوف من عملية أخرى لتحرير الشام التي أيضاً سوف تتسبب في نزوح سكان المدينة نتيجة قربها من خطوط النار”.
ويقول “سماق”: “كرهنا الحروب ومللنا منها، نود أن نعيش ما تبقى من أيام حياتنا بسلام”.
ويتخوف فواز غزال (31 عاماً) وهو من سكان بلدة تفتناز المجاورة لمدينة بنش شرقي إدلب، والتي تبعد أيضاً عن خطوط التماس مع قوات الحكومة في بلدة الطلحية أقل من 7 كيلومترات، “من الأنباء التي تتحدث عن حشود لقوات النظام والفصائل الإيرانية في مدينة سراقب وعلى تخوم قرية آفس”.
وبعد نزوح استمر لثلاث سنوات، عاد “غزال” إلى بلدة تفتناز، بسبب تكليفي بتدريس طلاب في المرحلة الابتدائية بالبلدة، إلا أنني ورغم النزوح المتكرر من بلدة تفتناز، لكنه يبقى اختياراً صعباً”.
وفي ظل حديث طرفي الصراع في المنطقة عن فتح معركة في المحور الشرقي (تفتناز وسراقب)، “يبدو أن علينا حزم أمتعتنا وإبقائها على أهبة الاستعداد تجهيزاً للرحيل من جديد”.
ورغم الانتشار الكبير للنقاط التركية في جبل الزاوية، إلا أن “غزال” شدد على أن هذا “لا يمنع قوات النظام السوري من التقدم، خاصةً وأن لهذه النقاط تجربة سابقة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الشرقي وحلب”.
وفي 2019، حاصرت قوات الحكومة مدعومة من روسيا عدة مواقع عسكرية تركية، وتعهدت تركيا، حينها، بعدم ترك أي موقع تسيطر عليه في المنطقة، لكنها بدأت الانسحاب في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 بضغوط من موسكو، حيث أخلت أولى نقاطها في مدينة مورك شمال محافظة حماة والتي كانت تعتبر حينها أكبر قاعدة عسكرية في شمال غربي سوريا.
ولا تقتصر المخاوف على سكان بلدة تفتناز فقط، بل تشمل أيضا النازحين المقيمين فيها، حيث يعتبر خالد العبدالله (35 عاماً) أن بلدة تفتناز باتت كمدينته فلم يعد يطيق التنقل والنزوح وهو الذي استطاع مؤخراً تأمين فرصة عمل في محل تجاري في البلدة.
ويضيف “العبدالله” لنورث برس، أنه اعتاد النزوح والتهجير لكن الاستقرار النسبي الذي تعيشه المنطقة منذ 3 سنوات جعل الحياة تستقر وفي الوقت ذاته انتعشت التجارة والزراعة وغيرها.
ويشير “العبدالله” إلى أن أي عملية عسكرية حالية من أي طرف كان “ستتسبب في نزوحه ولو كان مؤقتاً. الأمر الذي سيتسبب بنتائج كبيرة على قطاعات الحياة، وربما يكون تهجيراً دائماً ليتسبب بأزمة إنسانية جديدة ويفاقم الوضع الحالي ويزيد الطين بلة”.