بين اقتصاد منهار وانغلاق الحكومة على الحوار.. كيف يمكن تقسيم الموارد الاقتصادية السورية؟

القامشلي – نورث برس

بينما تتهاوى قيمة الليرة السورية يوماً بعد يوم أمام العملات الأجنبية، يآمل السوريين على امتداد البلاد إيجاد حلول تنهي المأساة المعيشية التي باتت تنهش الغالبية العظمى، بعد مرور عقد من الأزمة القائمة.

وذكرت تقارير أممية خلال عام 2022، أن 90 % من الشعب السوري بات يعيش تحت خط الفقر، ليسمع شعار ‘‘الشعب يريد إسقاط النظام’’ في الشارع مجدداً، لسوء الحال المعيشي.

وتشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، احتجاجات شعبية واسعة، وسط رفض للواقع السياسي والاقتصادي المفروض.

وتعيش مختلف المناطق السورية صعوبات في تأمين المقومات الحياتية، حيث تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من شح المحروقات والغاز والكهرباء، الأمر الذي دفع بالحكومة مؤخراً لتعطيل الدوام الرسمي للمؤسسات وسط شلل في الحركة العامة.

خلال جلسة لمجلس الأمن عقدت حول الوضع في سوريا في الـ 21 من الشهر الجاري، قال مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، ‘‘لا شك أن التدهور الاجتماعي والاقتصادي في سوريا هو الأسوأ منذ بداية الأزمة’’.

يتفق معه مبعوث الأمين العام الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أن ‘‘السوريون يواجهون أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة  داخل وخارج البلاد وفي كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق الخارجة عن سيطرتها’’.

وتعتبر سوريا من بين أغنى الدول الشرق أوسطية، نظراً لتعدد مصادرها من النفط والغاز والزراعة والمنافذ البحرية والبرية، لكن بعد اندلاع الأزمة خرجت نحو 75 % من هذه الموارد عن سلطة دمشق.

وتخضع 70 % من هذه الموارد لسيطرة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا، إلا أن الأخيرة تؤكد استعدادها للحوار مع دمشق لتقسيم الموارد، متهمة دمشق بالمماطلة وموقفها ‘‘غير الواضح’’.

وقال مسؤول رفيع المستوى في مجلس سوريا الديمقراطية، وهو المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، إنه لا مانع لديهم في تقاسم الموارد الاقتصادية السورية، ولكن الأمر يتطلب تحقيق توافقات.

‘‘حل سياسي سوري’’

وسجلت الليرة السورية هذا الشهر، رقماً قياسياً وتجاوزت عتبة الـ7000 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد، وسط عجز الحكومة عن ضبط العملة ورفض الحلفاء (إيران وروسيا) إعطاء قروض جديدة لدمشق، وفق تقارير إعلامية.

وأوضح حسن محمد علي، عضو الهيئة التنفيذية لـ‘‘مسد’’، لنورث برس، أن ‘‘الموارد الاقتصادية هي وطنية سورية، وليس لدينا مانع للنقاش في هذه الملفات عندما نصل للحل بشأن وضع البلاد الراهن’’.

وأضاف: ‘‘يجب أن نصل إلى حل سياسي سوري، عندما نقوم بالحل السياسي ووضع إطار نظام لسوريا المستقبل الذي يرضى به كل الشعب السوري، عندها لن يكون لدينا مشكلة بمناقشة جميع الملفات منها قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية’’.

وأفضت جميع المفاوضات بين دمشق والقامشلي لغياب أي تفاهمات ترضي الطرفين حول الأطر الإدارية والعسكرية.

وبحسب تصريحات إعلامية سابقة لمسؤولين في الإدارة الذاتية، أن الحكومة لازالت متمسكة بالعقلية القديمة وتسعى إلى إعادة الواقع إلى ما قبل الأزمة وفرض حوار يتناسب مع مقاييسها ومعاييرها دون اتخاذ خطوات عملية تلامس الواقع القائم اليوم وأكثر ما يهمها النفط والقمح في منطقة الجزيرة.

وأشار ‘‘محمد علي’’ إلى أنه يجب الحوار على مستقبل سوريا، وتساءل: ‘‘نتجه إلى أي سوريا؟ إلى المربع الأول أم سوريا جديدة؟’’.

وأضاف: ‘‘إذا كان التوجه إلى سوريا جديدة فإن ذلك يتطلب دستوراً جديداً، وبهذا الدستور نستطيع مناقشة جميع المسائل، لذا هناك موارد وهي ملفات مركزية وهناك أمور لا مركزية متعلقة بالمحافظات والأقاليم’’.

وشدد السياسي على ضرورة التغير ‘‘النظام هو السبب فيما آلت إليه سوريا إلى يومنا هذا، لذا نود أن نناقش ونرسو بسوريا إلى بر الأمان’’.

وأضاف: ‘‘هذا يتطلب حواراً سورياً سورياً شفافاً وجدياً يشارك فيه جميع السوريين عندها لن يكون هناك مشكلة خارج النقاش، وسيناقش ضمن الدستور كل القضايا المتعلقة بالأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية، وليس لدينا مانع بمناقشة جميع هذه الملفات’’.

ما الحل؟

والدستور السوري لا يتضمن فقرات تتناول قضية إدارة الموارد المالية وتوزيعها بين المستويات المختلفة، بالإضافة إلى غياب اللوائح القانونية التنفيذية.

يقول خورشيد عليكا، وهو باحث اقتصادي في ألمانيا، إن ‘‘معظم الدساتير الفيدرالية في العالم تخول إدارة وتوزيع عائدات هذه الثروات إلى الحكومة الفيدرالية، وبالتالي فإنَّه من واجب الحكومة الفيدرالية في سوريا (إذا تم الاتفاق على الفيدرالية) والإدارة الذاتية المنتج للنفط والغاز، إدارة هذين المصدرين’’.

وأشار عليكا، إلى أن ‘‘نجاح سياسة الفيدرالية المالية في سوريا سيعتمد بالدرجة الأولى على نظام الحكم في سوريا وعلى مدى استجابته لمفهوم الفيدرالية وعلى قدرة الإدارة الذاتية على تنمية موارده المالية كي يكون كياناً متكاملاً من جميع النواحي’’.

واستطرد: ‘‘هنا نؤكد بأنه في ظل عدم وجود حل سياسي لسوريا المستقبل وعدم وجود اعتراف حقيقي بالإدارة الذاتية، فإن للإدارة الذاتية كامل الحق في السيطرة على الموارد الاقتصادية ووضعها في خدمة المقيمين على أراضيها’’.

وشدد على ضرورة ‘‘دعم التنمية والنمو الاقتصادي في المنطقة وخاصة في ظل الهجمات التركية المتكررة على روج آفا وعدم تحمل النظام مسؤوليته للدفاع عنها’’.

وأوضح الباحث الاقتصادي، أن حكومة دمشق لم تعد تملك الأدوات المالية في ظل الانهيار المستمر للعملة السورية، ‘‘هذا يعني بأنه لا توجد ثقة بالعملة السورية وبالتالي لا توجد ثقة بالنظام السياسي’’.

وتابع ‘‘النظام والشعب متجهين إلى مزيد من الجوع وتفكك الهياكل الاقتصادية وتوقفها وزيادة نزوح الشعب، وفي هذه الحالة سيستمر النظام في مقراته الأمنية والعسكرية، ولا حول له ولا قوة في تخفيف العبء الاقتصادي على الشعب’’.

وأشار ‘‘عليكا’’ إلى أن الحل يكمن بطرح دستور عصري يلبي تطلعات الشعب والاعتراف بالإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ‘‘لتكون الإدارة الذاتية بوابة الحل السياسي والاقتصادي لدعم سوريا سياسياً واقتصادياً من خلال جعلها شكلاً من أشكال الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا’’.

إعداد: دلسوز يوسف