تل أبيض.. سكان يرزحون تحت غلاء المحروقات والخبز والمواد الغذائية

تل أبيض – نورث برس

تبحث عائلة خليل عن الحطب وبعض الأحذية القديمة، لتوقدها من أجل أن تطهو وجبة الغداء ويسخنوا المياه، في ظل نقص المشتقات النفطية وغلاء أسعارها، حيث لا يستطيع رب العائلة مجاراتها.

خليل العليوي (40 عاماً) من سكان الريف الغربي لتل أبيض، يسكن في المنطقة الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، حيث يعاني وأقرانه في تلك المناطق ظروفاً معيشية صعبة، في ظل نقص فرص العمل وغلاء الخبز والمحروقات.

يتنهد الرجل بعد أن روى لنورث برس عبر تطبيق واتساب، أنهم يجمعون الأحذية لإشعال النار، ويضيف بلهجته العامية، “الله وكيلك نجمع كلشي قابل للاحتراق لحتى نطبخ عليه ونشغل نار لويلادنا بهلبرد القاسي”.

ويعجز “العليوي” عن تأمين محروقات التدفئة لأطفاله الثمانية وزوجته، في ظل ارتفاع ثمن البرميل الواحد من مادة المازوت إلى أكثر من مليون ليرة سورية.

وفي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر2019، شنت تركيا برفقة فصائل موالية لها عملية عسكرية ضد تل أبيض وسري كانيه، انتهت بسيطرتها على المنطقة ونزوح نحو 300 ألف شخص، بحسب إحصائيات للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا.

وتشهد المنطقتان بين الحين والآخر احتجاجات لسوء الوضع المعيشي وانتشار البطالة والفلتان الأمني، ففي بداية العام الجاري، خرج المئات من سكان مدينة تل أبيض باحتجاج تنديداً بسوء الوضع المعيشي “وفساد المجلس المحلي.”

وحينها رفع المحتجون لافتات كتب عليها، “لا للتجويع ولا للاحتكار”، “نحن تحت رحمة المافيات”.

“غلاء لا يوصف”

ويتقاضى “العليوي” أجرة يومية لا تتجاوز الـ 10 آلاف ليرة سورية، في ظل الغلاء وصعوبة تأمين حاجيات أسرته، خاصة وأن الرجل يقطن بعيداً عن “الجلاب” (رافد لنهر البليخ يأتي من الأراضي التركية ويصب في البليخ)، حيث الأراضي البعلية التي تعتمد على الأمطار.

وفي ظل الجفاف وارتفاع أسعار المحروقات، لا يستطيع “العليوي” زراعة أرضه البعلية أو تركيب محرك لاستجرار المياه الجوفية.

وخلال العامين الماضيين، عانى مزارعو الأراضي البعلية من الجفاف نتيجة شح الأمطار وتدني معدلات الهطول، ما كبّدهم خسائراً “فادحة” لا سيما أن هناك من يعتاش عليها.

وكحال سابقه يعاني مراد العساف (47عاماً) من قلة المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها وصعوبات معيشية.

ونتيجة قربها من تركيا يشهد مناخ منطقة تل أبيض برودة عالية، لذلك يحتاج السكان إلى حوالي 6 براميل من المازوت للتدفئة طيلة فترة الشتاء، ويصل سعر البرميل إلى مليون و60 ألف ليرة، في ظل صعوبات اقتصادية يعانيها السكان.

ويصل سعر الليتر الواحد من البنزين من الجودة المتوسطة، 6500 ليرة، بينما يباع النوع الممتاز بـ 7500 ليرة.

يقول “العساف” إنه يعجز عن تأمين حاجيات أسرته المكونة من 7 أطفال وزوجته، حيث يعاني الرجل من “الديسك”، وهو ما يفقده قدرته على العمل، في حين أن أكبر أولاده عمره 15 عاماً ولا يستطيع العمل لتأمين حاجيات الأسرة.

ورغم مرضه يكابر ويعمل بأجر يومي لا يتجاوز الـ 15 ألف ليرة، لكن عمله يعتمد على المواسم الزراعية، لذلك يعمل بشكل متقطع مجبراً على ذلك في ظل غلاء “لا يوصف”.

ويبلغ سعر كيس السكر وزن(10 كيلوغرام) ٥٤ ألف ليرة، فيما تباع تنكة السمن النباتي (6 كيلوغرام) 70 ألف ليرة، ويباع 10 كيلوغرام من البرغل بـ ٤٥ ألف ليرة و4 كيلوغرامات من الزيت النباتي بـ45 ألف ليرة.

“الخبز غالي”

وبحال ليس بعيداً عن سابقيّه، يُرسل عناد الشواخ (53عاماً) أطفاله لجمع الحطب والبلاستيك لاستخدامها في التدفئة والطهي، وبينما يحادث نورث برس، يحمد ربه أنه لا يمتلك أرضاً مروية على “الجلاب”.

واقتصاداً للحطب لا يكاد يخلو منزل واحد في ريف تل أبيض من التنانير الصغيرة “الواوي”، والتي يقضون حوائجهم عليها من طبخ وتسخين الماء وغيرها.

يقول “الشواخ”، إن “المازوت غالي والمجلس المحلي يحتكر المحاصيل لتجّار مقربين وبأسعار متدنية، وباع مزارعو القطن بمبالغ لا تتجاوز الـ 500 دولار للطن الواحد”.

ويشير أن “الخبز قليل وغالي الثمن”، حيث يشتري 5 أرغفة  بألف ليرة، وهي لا تكفي لعائلته المكونة من 9 أطفال وزوجته، لذلك يشتري القمح ويطحنه ليصنع الخبز في منزله.

ويعاني سكان تلك المناطق من “احتكار” تجار مقربين للقياديين في الفصائل الموالية لتركيا للقمح، “القياديين تاجروا بقمح المنطقة وصدّروه إلى تركيا، وتركونا نعاني قلة في المادة”.

والعام الماضي، اشترى التجار الطن الواحد من القمح من المزارعين بـ ٣٠٠ دولار، فيما يبلغ سعره حالياً 550 دولاراً.

بينما الطن الواحد من الشعير تم شراؤه بـ 330 دولاراً ويتجاوز سعره هذا العام 600 دولار.

يشتكي “الشواخ” من تدني الأجور حيث لا تتجاوز 10 آلاف ليرة، ويضيف أن العمل بالمياومة غالبيته سيكون لدى قادة الفصائل، “هم الوحيدون الذين نعمل لديهم في ظل قلة المعامل والمنشآت”.

وخوفاً من مواجهة ذات المصير للشاب معتز الذي قتله قيادي في صفوف الفصائل المسلحة، بعد مطالبته بأجرة عمله، يفضل الرجل الجلوس في المنزل على العمل لدى هؤلاء، وفق قوله.

إعداد: سامر عثمان – تحرير: أحمد عثمان