“لا يعي وجهته”.. طفل نازح في الرقة أفقدته الحرب نطقه وذاكرته

الرقة – نورث برس

تراقب مريم طفلها باستمرار، ويكاد يكون الشاغل ليومها خوفاً من ضياعه، لا سيما أنه لا يعي وجهته أو الخطر الذي ينتظره، ثم أنه لا يعرف طريق العودة رغم أنه يتجول داخل المخيم.

يغافلها الطفل البالغ من العمر 7 أعوام، لتبدأ رحلة البحث عنه وغالباً ما تجده قد عزل نفسه في زاوية تحجب عنه رؤية ما حوله في المخيم، أو ابتعد بالمشي إلى حيث لا يعلم.

لدى مريم الأحمد (48 عاماً) وهي نازحة في مخيم اليوناني جنوبي الرقة على الضفة اليمنى لنهر الفرات، طفل سبّب له الخوف من الطيران وأصوات القصف فقداناً للذاكرة واختلالاً عقلياً أفقده النطق.

وفي خيمتها الرثة، تروي “الأحمد” حال طفلها صالح الفريج، الذي يسمعها ويراها حين تحادثه ولكنه لا يعي ما تقول له.

تقول الوالدة، إن الحادثة بدأت مع طفلها منذ أكثر من خمس سنوات، حينما كان يهرب من أصوات الطيران الحربي والقصف على منطقتهم، ليتغير الحال بالطفل يوماً بعد يوم حتى وصل لما هو عليه الآن.

تنحدر العائلة من ريف حماة الشرقي وسط سوريا، والتي نزحت إلى الرقة بفعل العمليات العسكرية بين “داعش” والحكومة السورية قبل أربع سنوات والتي تسبّبت في حرمان الطفل من العيش كما باقي الأطفال.

تضيف “الأحمد”، أن طفلها لم يكن يشكي من أية إعاقة أو أمراض، إلا أنه مع بداية الحرب في منطقتهم بدأ يفقد نطقه رويداً رويداً، ومن ثم أصبح يفقد شيئاً من ذاكرته حتى تلاشت كلياً بسبب الخوف.

في الأثناء التي تروي فيها الوالد قصة طفلها لنورث برس، تنظر إلى فلذة كبدها الذي يفارقها إذا ما رأى شخصاً غريباً، وتقول: “أصبح طفلي منعزل لا يلعب مع الأطفال، يقضي نهاره ماشياً دونما وعي، بينما تمر عليه ساعات الليل ولا يغمض له جفن”. 

وبحسب اليونيسف، فإن ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء في داخل سوريا أو في دول الجوار.

ولا تزال نهاية الأزمة في سوريا “بعيدة المنال”، بحسب المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خُضُر، التي ذكرت في بيان صدر في أيار/ مايو الماضي أنه “في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام فقط، قُتِل وأُصيب 213 طفلاً في سوريا.”

وحاولت “الأحمد”، عرض طفلها على أطباء في الطبقة والرقة، لكن دون جدوى، وطلبوا منها أخذه إلى دمشق، لكن لا قدرة لديها على تحمّل تكاليف الذهاب لعلاج ابنها”.

وتعاني وغالبية أقرانها من نازحي مخيم اليوناني، أوضاعاً معيشية وإنسانية صعبة، إذ أنها تعتمد في معيشتها على العمل في الأراضي الزراعية، وبأجور لا تكاد تكفي لسد رمقهم.

وتختصر الاضطرابات النفسية وحالة الهلع والخوف الدائمين لدى صالح، كمية المعاناة التي يشعر بها في مخيم للنزوح هرب إليه من “جحيم الحرب”.

وبحسب المديرة الإقليمية لليونيسف، فإن “أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 11 عاماً”.

وما يحز في قلب والدة صالح، أن طفلها لا يستوعب ولا يسعفه عقله، للامتناع عن فعل شيء تنهاه عنه والدته، فهو يعيش حالة من الرعب تهيمن على ذاكرته، تركت له الحرب ندوباً ترافقه طيلة حياته.

وأمام قلة حيلتها، تطالب “الأحمد” بدعم من المنظمات الإنسانية تساعدها لعلاج ابنها، على أمل أن يعود إلى وضعه الطبيعي.

إعداد: فاطمة خالد – تحرير: أحمد عثمان