دمشق- نورث برس
من الصعب التكهن بالانعكاسات السياسية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي ستجري في حزيران/ يونيو 2023، على دور أنقرة في ملفات المنطقة، بدءاً بسوريا والعراق، وليس انتهاءً بليبيا ومصر وغيرهم.
هذه السياسية التي لطالما سعت أنقرة من خلالها إثبات أن تركيا دولة عظمى، ولها وزنها في الصراعات سواء الإقليمية أو العالمية، عبر حرب الوكالة، سوريا أنموذجاً.
ووفقاً لمراقبين ومتابعين للشأن التركي، فأن سياساتها في المنطقة تغيرت، فنشاهد انعطاف تركيا باتجاه دول المنطقة سواء الإمارات أو مصر أو السعودية أو اسرائيل، حيث عملت جاهدة ولا تزال لإعادة العلاقات إلى ما قبل التوتر الذي ساد والقطيعة التي سادت العلاقات بينهم.
” لن نقبل بشمالين على حدودنا”
لم تتوانى تركيا منذ تدخلها العسكري المعلن في سوريا منذ 24 آب/ أغسطس عام 2016، عن إعلان عدائها للإدارة الذاتية، حيث هاجمت عفرين عام 2018، وبعدها بعام ونصف غزت سري كانييه/ رأس العين وتل أبيض، وتهدد اليوم بغزو مناطق أخرى .
ويقول نواف خليل، وهو مدير المركز الكردي للدراسات إنه “بالنسبة للكرد السياسية التركية ليست جديدة ولا مؤقتة، كما أنها لا ترتبط بحزب العدالة والتنمية”.
ويضيف خليل لنورث برس :” سياسة تركيا الرسمية منذ توقيع اتفاقية لوزان عام 1923 وحتى الآن لا تعترف بالوجود الكردي”.
ويستذكر بما قاله الرئيس التركي رجب طييب أردوغان، قبل نحو عقد” لن نقبل بشمالين على حدودنا”، في إشارة إلى إقليم كردستان العراق، ” فحتى إقليم كردستان العراق لا يعترفون به رسمياً”.
فالسياسات التركية حيال الكرد “تبقى قضية استراتيجية”، بحسب خليل.
ويضيف:” الصورة هنا غير واضحة نحن نتحدث عن ما بعد الانتخابات؛ كون الأوضاع الداخلية ربما تدفع، الرئيس التركي لإحداث انعطافه نحو حزب الشعوب الديمقراطية، أو حتى إعادة المحادثات مع حزب العمال الكردستاني”.
ولكن “هذه المسألة لا يمكن الحسم فيها أو الجزم بأن اردوغان سيقوم بها، لأن استطلاعات الرأي تؤكد تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وبالتالي إذا لم يبقى لديه سوى اللجوء إلى حزب الشعوب الديمقراطية، ربما تتغير السياسات، وأن بشكل تكتيكي”.
“تأكيد العداء التاريخي”
ولم يضف مجلس الأمن القومي التركي في اجتماعه الأخير برئاسة أردوغان مطلع الشهر الجاري، أي جديد، حيث ناقش العديد من الملفات الخاصة إضافة إلى ملفات إقليمية ودولية، ليتقدمها ملف عملية العملية التركية المحتملة في سوريا.
ويؤكد خليل أنه ليس هناك أي جديد في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، فقط كان “إعادة التأكيد على محاربة حزب العمال الكردستاني وبالتالي محاربة الإدارة الذاتية وهذا يعني محاربة كل مكونات شمال وشرقي سوريا”.
وشدد خليل على أنه لم يأتي بجديد، سوى تأكيد المؤكد ألا وهو العداء التاريخي لكل شيء يتعلق بالشعب الكردي منذ التوقيع على معاهدة لوزان “.
من جانبه اعتبر الباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، أن نتائج الاجتماع كانت “متوقعة مع التأكيد على عدم التهاون في أي تهديد للأمن القومي التركي سواء في الجبهة السورية أو اليونانية، رغم ان الذي يدعم تلك الجبهات ضد تركيا هو طرف يعتبر انقره حليفة له”، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ويضيف حافظ في تصريح لنور ث برس إن ” صانع القرار السياسي في تركيا لا يعول على أي تفاهمات مع أي طرف، رغم المضي قدماً في الطريق الدبلوماسي”.
ويشير الباحث التركي إلى أن “الأمر مرتهن بالسؤال متى ستوقف تلك الدول دعمها للإرهاب هناك؟ ومتى سوف تضع كل أشكال الإرهاب وخلفياته في نفس السوية؟”.
ولكن “إذا بقيت ترضى عن إرهاب.. وتحارب آخر فإن تركيا لن تتوقف عن الدفاع عن أمنها أصالة وعن وحدة الأراضي السورية والعراقية نيابةً”.
ويشدد حافظ على أن “المساعي ليست كافية بالنسبة لأنقره بل الضمانات العملية على الواقع التي تُطمئِن تركيا” في إشارة منه إلى المساعي الروسية والأميركية وموقفها من عملية أنقرة المحتملة شمال سوريا.
” مرتهنة بنتائج الانتخابات”
ويرى حافظ أوغلو، أن أي تغير في السياسات التركية في الملف السوري مرهون “بما سيحدث حتى نهاية الانتخابات الرئاسية”.
ويضيف:” ولا أظن أن الوضع الحالي سوف يبقى على ما هو عليه” مشيراً :” وإلا فإننا سنكون قد دخلنا في انعطافه سياسية وأمنية غير محمودة العواقب”.
وعليه “يجب أن نراقب ما التغير الذي سيحدث حتى موعد الانتخابات” يقول حافظ .
فيما اعتبر مدير المركز الكردي للدراسات إن ” سياسة أنقرة حيال سوريا شهدت انعطافه كبيرة”، مستشهداً بما جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من اتهامات لنظيره السوري، حيث اتهم الأخير “بأنه إرهابي ودموي” بينما يتطلع للقائه اليوم.
واستذكر خليل تصريح لأردوغان في كازاخستان ” كنت أتمنى لو حضر الرئيس السوري بشار الأسد”.
ويرى أن “الوضع في سوريا ليس مسألة إقليمية أو داخلية تتعلق بالصراع أو الخلاف مع النظام السوري أو التركي”.
وربما “يتدخل الروس بما لديهم من قوة تأثير على النظام في سوريا حتى ينتهي” .
ويذكر خليل أن واشنطن قامت بعملية تموضع بالنسبة لوجودها في منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد أن “الوجود الأميركي لا يتعلق بمواصلة الحرب على داعش فقط، بل مواجهة النفوذ الروسي والإيراني كجزء من استراتيجية الأمن القومي الأميركي والأوروبي”.
ويوضح أنه “لا يمكن أن ينتهي الصراع في سوريا، بدون توافق أميركي وبالتالي أوروبي مع روسيا، وأيضا توافق روسي مع إيران، وتوافق تركي مع إيران وروسيا والدول الغربية والنظام في سوريا”.
ويضيف أن “المسألة معقدة جداً ولن تنتهي بالسهولة التي يتمناها ويتصورها البعض، فسوريا باتت جزء من صراع القوى الدولية والإقليمية وبالتالي لن ينتهي هذا الصراع دون توافق هذه القوى الدولية “.