انخفاض قيمة الليرة يستنزف جيوب السكان في مناطق الإدارة الذاتية

منبج/ كوباني – نورث برس

في نهاية كل شهر يُحادث سامر أخيه المغترب في أوروبا ليرسل له حوالة مالية، في ظل عدم قدرة الشاب على تغطية مصاريفه من الراتب الذي يتقاضاه.

سامر البرهو (31عاماً) من سكان منبج ويعمل في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية، لا يكفيه راتبه الذي يقارب الـ 60 دولاراً (ما يعادل تقريباً 385 ألف ليرة)، لذلك يعتاش الرجل على الحوالات المالية التي يرسلها له شقيقه، في ظل كثرة المصاريف من مواصلات وإيجار المنزل وكلفة الإنترنت والكهرباء والغذائية.

وأثرت ظروف الحرب منذ العام 2011 على الوضع الاقتصادي للسكان، وألحقت ضرراً بالغاً بالعملة السورية، حيث سجلت الليرة السورية في نهاية العام تدهوراً حاداً ليقارب سعر صرف الدولار الأميركي الواحد مقابل الليرة السورية حاجز الـ 6500 ليرة.

ونتيجة لذلك بات “البرهو” يعاني لحين استلام الحوالة، لكن هناك الكثير غيره لا أحد يُرسل لهم، وهو يرزحون تحت رحمة صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، والتي تنهار بوتيرة متسارعة، خاصة مع تصعيد العقوبات الأميركية على سوريا.

ما يزيد معاناة السكان بحسب “البرهو”، أن فرص العمل أصبحت قليلة، بعد الانهيار المتسارع بقيمة الليرة السورية، “أصحاب المنشآت باتوا يسرّحون عمالهم، لا يوجد أمامنا فرص عمل لنعمل بدوامين لتغطية مصاريفنا”.

صعوبة بالغة

ويجد سكان منبج صعوبة بالغة في تأمين مصاريفهم اليومية بسبب الارتفاع الذي يطرأ على أسعار السلع الأساسية كل يوم، لا سيما محدودي الدخل من معيلي العوائل.

ويشير “البرهو”، أنه في حال مرض أحد أفراد أسرته فلا يمكنه تأمين تكاليف العلاج، فحتى الأدوية أو المعاينة في أي مشفى أو عيادة أصبحت مرتبطة بالدولار وتفوق قدرة سكان.

وتراجعت القيمة الشرائية لليرة السورية مع التدهور الكبير بقيمتها، لذا وجد كثير من محدودي الدخل أنفسهم أمام تحدي تراجع القدرة الشرائية لدخلهم، وتأمين تكاليف معيشتهم.

وأمام هذا الحال، بات فادي العلي (31عاماً) من سكان منبج، يعجز عن تأمين حاجياته وحاجيات عائلته الصغيرة المؤلفة من زوجته وابنته الوحيدة، إذ أن الشاب لم يعد يستطع تحمل أعباء وتكاليف المعيشة مع الانهيار الكبير في قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.

وأمام الغلاء وتدني قيمة الأجور، يرى “العلي”، أن الحل الوحيد للمشكلة هو الهجرة، حيث أنه لن يستطيع أن يؤمن مستقبله أو يتمكن من الاستقرار.

ويفكر الشاب بعرض منزله في أحد أحياء منبج للبيع ليهاجر بثمنه، إلا أن الحظ لم يحالفه في ظل ركود في حركة البيع والشراء، متأثرة أيضاً بانهيار قيمة الليرة السورية وتردي الأوضاع الاقتصادية للسكان.

وعلى الرغم من مخاطرها، إلا أن الأوضاع الاقتصادية، دفعت الكثير من الشباب لبيع ممتلكاتهم والهجرة بثمنها، سالكين طرق التهريب غير الشرعية الخطيرة.

وأمام كل ارتفاع يطرأ على أسعار السلع، يبقى المستهلك الخاسر الوحيد، بحسب جمعة سليمان (42عاماً) من سكان منبج، وصاحب محل لبيع السلع الغذائية.

وتجنباً للخسارة، يراقب التاجر سعر صرف الليرة ليبيع السلع في محله وفقها، يقول إنه مضطر لذلك نتيجة شرائه السلع بالدولار الأميركي.

إلا أن بيع السلع والمواد الغذائية وفق صرف الدولار، بات يرهق عبد العزيز قادر (42عاماً) وهو من سكان كوباني شمالي سوريا، ويقول إن المصاريف التي تحتاجها العائلة أكثر من مليون ليرة سورية في حين المدخول لا يتجاوز 400 ألف ليرة.

إحصائيات

ويبلغ متوسط الرواتب لموظفي الإدارة الذاتية 400 ألف ليرة (ما يقارب 63دولاراً أميركياً) في حين يبلغ وسطي الأجور اليومية لعمّال المياومة حوالي 17 ألف ليرة (أقل من 3 دولارات).

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في عام 2023″.

وقال مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، “إننا لم نرَ مثل هذه الأرقام منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011”.

وأشار إلى أن أكثر من 12 مليون شخص، أكثر من نصف السكان، يكافحون من أجل وضع الطعام على المائدة، وحذر من إمكانية أن ينزلق ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص إلى حالة انعدام الأمن الغذائي.

وفي ظل ذلك يشتكي “قادر” كما عموم سكان كوباني وشمال شرقي سوريا، من صعوبات اقتصادية وتدنٍ في القدرة الشرائية، نتيجة التضخم والتدهور المتسارع بقيمة الليرة.

ويرى الرجل أن سبب معاناته هو تدهور قيمة الليرة السورية، وبالتالي عدم تغطية الرواتب للنفقات التي تحتاجها الأسر.

ويشير أن العقوبات المفروضة على حكومة دمشق تؤثر بشكل كبير، لا سيما في ظل تطبيق إعلامي وورقي لاستثناء مناطق الإدارة الذاتية من عقوبات قيصر.

وفي الثاني عشر من أيار/ مايو الماضي، وافقت وزارة الخزانة الأميركية على السماح بأنشطة 12 قطاعًا، بما فيها الزراعة والبناء والتمويل في مناطق شمال شرقي سوريا، إلا أن هذا الاستثناء لم يُطبق فعلياً.

إعداد: أحمد عبد الله/ فتاح عيسى – تحرير: أحمد عثمان