بعد نفاذ المدخرات سوريون يعرضون مقتنياتهم للبيع

سكان يتجمعون تحت جسر الرئيس في العاصمة دمشق ـ نورث برس

دمشق ـ نورث برس

لم تتوقف الخمسينية مها يونس عن بيع مدخراتها منذ سنوات حسب قولها، فبعدما أنهت كل ما كان لديها من فائض مالي انتقلت إلى بيع القطع الذهبية التي تمتلكها، وبعدما نفدت مدخراتها من الذهب، أصبحت تعرض مفروشات من بيتها للبيع.

تقول “يونس” لنورث برس، إنها باعت قطع تحتاجها، ولكنها اضطرت لذلك، وأكثر ما يحزنها بيعها لأكثر من سجادة صوفية كانت اشترتها بالتقسيط أيام الرخص، ولكن الأمر لم يتوقف عند بيع السجاد بل اضطرت لبيع قطع من ملابسها.

“يونس” أم لشابين يدرسان في جامعة دمشق، فقدت زوجها في الحرب، واضطرت للسكن في الإيجار وبدأ دفع الإيجار الشهري وتكاليف الحياة بالتهام راتبها ومدخراتها، حتى أصبحت الآن تتحسب لتأمين تكاليف الطعام والشراب.

معروضات كثيرة

هذه السيدة تمثل حالة من بين عشرات آلاف حالات الأسر سواء المهجرة منها أو التي ما زالت في منازلها.

ويمكن لأي متتبع لصفحات بيع المستعمل أن يكتشف حجم المعروضات من أثاث المنازل ومعظم تلك المعروضات يمهد لها عند عرضها للبيع لأسباب إنسانية كالحاجة للتداوي أو الدواء، أو غيرها من ضروريات الحياة التي من المفترض أن تؤمنها الحكومات في كل دول العالم لمواطنيها.

تضيف السيدة حنين رجب وهي أم لثلاثة أولاد، تسكن في حي نهر عيشة بدمشق، أنها لم تعد تملك أي مدخرات، وأنها قررت العودة لحياكة الصوف رغم أن وضعها الصحي لا يساعدها على العودة إلى هذا العمل، ولكنها تفعل ذلك تحت ضغط الحاجة، فـ”الغلاء الفاحش” حسب قولها لنورث برس، لم يترك لها خيار آخر.

وقالت إنها تقصد محلات الألبسة المستعملة للحصول على ستر مصنوعة من الصوف تقوم بفكها ومن ثم إعادة تصنيعها بقطع أخرى وتعرضها للبيع، وبينت أن هذا يعرضها للحساسية الشديدة بسبب الوبر والزغب الذي يتطاير من الصوف في القطع المستعملة لكن لا يوجد أمامها خيار آخر.

وعن زبائنها الذين يشترون تلك القطع، قالت “رجب”: “اللي مثلنا تعا لعنا” إذ إن نوعيات الصوف الرديئة تجعل زبائنها هم الأقل دخلاً، وهذا لا يحقق لها قيمة مضافة كبيرة، لكن ليس بالإمكان أكثر من ذلك.

تزايد مستمر

يقول أدمن صفحة تختص بعروض البيع والشراء على فيس بوك لنورث برس، إن أعداد طالبي بيع القطع المنزلية “في تزايد مستمر”، وأن هنالك الكثير من العائلات التي تعرض سلعاً يجب أن يتم إتلافها في الحالات الطبيعية بسبب استهلاكها، ولكن تحت ضغط الحاجة يبيعون ما يمكن بيعه من أملاكهم.

يضيف الرجل أن هنالك زبائن كثر لهذه البضائع التي يمكن وصف الكثير منها بـ”المهترئة”، “لكن الفقر وقلة الدخل مع ارتفاع الأسعار اللحظي جعل غالبية الأسر تعيش خطر حتى تأمين لقمة العيش”.

عوامل عدة

ومن متابعته الميدانية لواقع الاقتصاد السوري، قال إعلامي اقتصادي لنورث برس، إن الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعيشها السوريون تتزامن مع عوامل خارجية تزيد من الصعوبات اليومية على أوضاعهم، حيث أن تراجع تحويلات المغتربين التي كانت تشكل المصدر الأول لدخل الكثير من الأسر السورية “سبب ضيقاً في فسحة العيش لدى الكثير من العائلات، وأن هذا ظهر منذ الحرب الأوكرانية الروسية حتى الآن”.

يضاف إلى هذا مشكلة المحروقات التي تظهر بين فترة وأخرى وتعيش البلاد أشدها حالياً حيث تعاني البلاد من شلل شبه تام، حرم الكثير من العائلات فرص الدخل التي كانت تحصل عليه، بسبب توقف الكثير من المصالح والمهن عن العمل، بحسب الإعلامي.

وقد ذكر صاحب أحد محلات الخضار والفواكه، أنه لم يشهد الحالة التي وجدها في سوق الهال بدمشق في أشد أزمات الحرب، فهنالك شح كبير في كميات الخضار الموجودة في السوق وارتفاع كبير في أسعارها.

فتكاليف شحن السيارة من المحافظات إلى دمشق “يفوق المليون ليرة” بسبب نقص المحروقات وارتفاع أسعارها إلى أرقام كبيرة، حيث يصل سعر ليتر المازوت إلى أكثر من 15 ألف ليرة، حسب الإعلامي.

تحت خط الفقر

الفقر وسوء التغذية ظاهر للعيان على وجوه غالبية السوريين، يقول خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه لنورث برس، إنه “من الطبيعي أن يلجأ السوريون إلى بيع مقتنياتهم بعدما صرفوا مدخراتهم”.

وأشار إلى أن تقديرات الفقر العالمية تشير إلى أن أي شخص دخله تحت الدولار و20 سنت هو تحت خط الفقر المدقع.

أي إذا كان هنالك عائلة سورية مكونة من 5 أشخاص، فيجب أن يكون دخلها 6 دولار يومياً أي 900 ألف ليرة شهرياً وهذا تحت خط الفقر المدقع.

وأضاف الاقتصادي في تحليله للوضع السوري الذي يجعل 92 % منه تحت خط الفقر أنه “مع وسطي أجور لا يتجاوز 110 آلاف ليرة، وإذا أضفنا التعويضات أو أي زيادات يصبح بين 150 إلى 200 ألف ليرة، بينما دخل أي عائلة تحت 900 ألف تصنف تحت خط الفقر المدقع”.

وتساءل: “كم عدد العائلات التي لديها هذا الدخل سواء في القطاع العام أو الخاص؟!”، لهذا يمكن التأكيد حسب الخبير الاقتصادي أن 92% من السوريين تحت خط الفقر المدقع.

وبين الاقتصادي أن المليون ليرة الحالية تعادل 5200 ليرة قبل الحرب من حيث قدرتها الشرائية.

وأشار أن أي زيادة للأجور “لا تصل إلى 100 ضعف لن تحل مشكلة الموظفين، لأن الدولار ارتفع إلى 1000%، في حين الأسعار ارتفعت إلى 1800%”.

وبحسب الاقتصادي، فقد ساهم هذا الحال في انتشار سياسة “دبر راسك” للموظفين ولعامة الناس وهذا ساهم “بنشر الفساد في المؤسسات والوزارات الحكومية، ونشر أخلاقيات جديدة بين الناس، وأصبح غالبيتهم يعملون على تدبر أمورهم ولو كان عن طريق “نهش” بعضهم البعض كل ضمن اختصاصه ومجال عمله.

وكان تقرير الأمم المتحدة الأحدث بين أن نحو 15 مليون شخص سوري من أصل 22 مليون يحتاجون إلى المساعدات.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله