سوريون يصفون تصريحات وزير بالاستفزازية وغير المسؤولة
دمشق ـ نورث برس
التصريح الجديد لوزير التجارة الداخلية السوري عمرو سالم، لا يشبه ما سبقه من تصريحاته المثيرة للجدل.
سالم أعلن أن قيمة منزله تفوق 10 مليارات ليرة، في إشارة منه إلى أن وضعه المادي الجيد يجعله مكتف وغير محتاج للاستفادة من منصبه كوزير.
ويأتي كلام سالم في وقت يعيش فيه غالبية السوريين ضيقاً اقتصادياً خانقاً، وظروفاً اقتصادية لم يسبق لها مثيل وصلت بالكثير منهم حد الجوع.
استهتار ولا مبالاة
وفي تعقيبه على هذا التصريح، قال إعلامي سوري لنورث برس، إنه يحق لأي وزير أو شخص أن يتفاخر بثروته، إذا لا توجد قوانين تمنع ذلك.
لكن إن كان ذلك يصح في العالم، فإنه “لا يمكن أن يصح في بلد كسوريا وصلت فيه الحالة المعيشية للناس إلى حد الجوع الحقيقي”.
وصار هنالك عجز في تأمين حتى رغيف الخبز لدى أسر كثيرة، بحسب الإعلامي، وحين يعلن أي وزير أن لديه أملاكاً تقدر بالمليارات “فهذا لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه قمة في الاستهتار ونموذجاً صارخاً في انعدام المسؤولية حتى لو كان مصدر تلك الثروات مشروعاً حققه الوزير عبر عمله في مؤسسات دولية”.
أضاف المصدر أن المسؤول الذي يعلن أن قيمة منزله تقدر بالمليارات، وهو يعلم أن هنالك من ينام في الحدائق، أو بين أنقاض الأبنية، والمحظوظون يعيشون في منازل مهددة بالانهيار، نتيجة الأزمة التي حيدت مدناً وأحياءً بأكملها وحولتها إلى ركام, فهو ليس مسؤولاً بأقل توصيف.
وقال الإعلامي إنه بالمعنى السياسي لا يمكن وصف هذا الشيء سوى أنه “استهتار ولا مبالاة بالناس، وينطلق ذلك من إحساس الوزير والمسؤولين عموماً بأن من أوصله إلى منصبه ليس الناس، وبالتالي ليسوا قادرين على تنحيته أو حتى الاحتجاج على الاستهتار بمشاعرهم”.
وبالمعنى القيمي، فإن تصريح الوزير “ينسجم مع الأخلاقيات الجديدة التي أفرزتها الحرب والتي لم تعد تقيم وزناً لأي مشاعر، وأسقطت كل مشاعر التعاطف في بلد يعيش أكثر من80% منه تحت خط الفقر، والأغنياء الذين يزدادون ثراء وصلوا إلى مرحلة لا رجعة عنها في انفصالهم عن الواقع”، حسب قوله.
ذرف الدموع
ودعا أحد المحامين وزير التجارة الداخلية، إلى بيع بيته والجلوس في بيت أكثر تواضعاً كأن يكون سعره ملياري ليرة فقط، وتخصيص الثماني مليارات الباقية لمشاريع تنموية في الزراعة والصناعة وذلك عوضاً عن “ذرف الدموع على فقراء سوريا”. نقلاً عن الوزير سالم أيضاً.
واقترح المحامي الذي فضل عدم ذكر اسمه، على الوزير “القيام بمشاريع مربحة ضمن المؤسسات الحكومية المترهلة والمسروقة، لأن هذا يؤمن الطعام لمئات وربما ألاف العائلات الفقيرة”، حسب قوله.
في حين أشار إعلامي اقتصادي لنورث برس، أن أصحاب هذه المبالغ حصلوا عليها “إما كورثة طوروا ثروتهم، أو كمتنفذين حصلوا عليها على شكل امتيازات من منصب أو مشروع حصري.. الخ، لأن الثروة لا تتشكل في سوريا لمن ينتج بطرق نظامية”.
وقال المصدر: “بالمحصلة لن نطلب من وزير أن يعمل مشاريع للناس من ماله الخاص، لأن هذا عمل الحكومة”.
معذورين
وقال الإعلامي الاقتصادي إنه يعذر الوزراء على تصريحاتهم “غير الصادقة أو الواقعية”، في إشارة منه إلى وجود حكومة ظل هي من يقرر ويتخذ القرارات التي يتفاجأ فيها الوزراء في الحكومة الظاهرة للعلن كما عامة الشعب، ويطلب منهم تبرير تلك القرارات بعد صدورها.
واستشهد الإعلامي بأكثر من حادثة صدرت فيها قرارات برفع أسعار وجاءت لتكذب تصريحات الوزراء بعد مرور يوم على نفيهم لارتفاع أسعار بعض السلع ثم يرتفع سعرها في الأسبوع ذاته وأحياناً في اليوم الثاني.
أضاف المصدر أنه “من الجيد أن يتنازل الوزراء عن بعض أموالهم التي لن تؤثر على مستوى حياتهم، فهذا أفضل مما يحصل الآن من بيع المواطنين لمفروشات بيتهم”.
في حين ذكّر مدير سابق في القطاع المصرفي الحكومي، “بالأموال السورية التي نهبت في لبنان والمقدرة بنحو 40 مليار دولار حسب تقديرات رئيس الدولة بشار الأسد في تسجيل مصور له”. وهذا يفوق الموازنة العامة للدولة للعام الماضي بأضعاف.
وفي مقاربة منه لكيفية إدارة الاقتصاد الوطني الذي يعد سلاح الدولة الأول “الذي تخسره الدولة السورية كل يوم”، حسب قوله، تساءل حول أسباب هروب هذه الأموال والطريقة التي خرجت فيها، وقصور إجراءات توطينها؟.
وأشار إلى أن مبلغ ١٠ مليار ليرة التي صرح عنها الوزير “لا تشكل شيئاً مقابل الخسائر الفادحة التي تخسرها سوريا كنزيف الهجرة المستمر بسبب فقدان، أو تعثر الأغلبية في التأقلم مع التضخم الهائل والفروقات ما بين الدخل والإنفاق”.
سياسة تطفيش
قال أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد، إنه رغم التصريح “الفوقي والمتعالي” لوزير التجارة الداخلية إلا أن تحسين الاقتصاد يجب أن يأتي بحزم تحفيزية في كافة المجالات الصناعية والزراعية والخدمية والسياحية والصحية، مع قروض ميسرة وإعفاءات، “لكن ما يحصل الآن هو زيادة الجباية، والأمثلة كثيرة، إذ كيف يمكن فهم تكليف صاحب سجل تجاري متوقف عن العمل ضريبياً؟!”.
وأضاف الأكاديمي، أن المزارع يبيع إنتاجه بأسعار أقل من كلفة الإنتاج، بينما تحصل مراكز تجميع أسواق الهال على ربح يتراوح بين ٢-٣ أضعاف قيمة ما يشترون.
فواقع الإنتاج هو الأسوأ وقد وصل حد التوقف، إما بسبب الإفلاس أو الخسائر الفادحة وهدر ساعات العمل بسبب نقص حوامل الطاقة أو غلاء أسعارها وبالتالي زيادة كبيرة في كلفة إنتاجها ونقلها وتوزيعها.