“داعش” يتربص بعوامل إحياء دولته المنهارة

غرفة الأخبار – نورث برس

تتفق الأوساط السياسية والعسكرية، على أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بات أكثر خطراً من لمّا كانت له “خلافة” تسيطر على جغرافية واسعة في العراق وسوريا، في ظل وجود عوامل عديدة تدفع التنظيم إلى البقاء، تقابلها دعوات بتكثيف العمليات والتنسيق للقضاء عليه بشكل نهائي.

ومضى ما يقارب ثلاثة أعوام وثمانية أشهر على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على منطقة الباغوز، آخر معاقل تنظيم “داعش” شرقي سوريا، ضمن حرب طويلة منذ عام 2014. ودخل “النصر العراقي” على التنظيم نفسه العام السادس قبل أسبوع، بينما لازال الخطر يحدق بالبلدين والعالم.

ومع مرور كل هذه السنوات، يستمر التحذير من تنامي “داعش” على الصعيدين المحلي والدولي، حيث يتفق الباحثون في الشأن على أن الهزيمة الجغرافية لم تكن النهاية، في حين تشهد سوريا والعراق بين الفينة والأخرى عمليات متكررة لعناصره، وتمرد في سجونه ومخميات عائلاته.

والسؤال المتكرر في الصحافة “هل مازال تنظيم داعش يشكل خطراً؟”، هو بحد ذاته دليل على حقيقة خطره، هكذا أراد الباحث المصري منير أديب وهو خبير في شؤون الجماعات المتطرفة، وصف خطر التنظيم  المتشدد.

إعلان عَجول

يضيف الباحث في حديثه لنورث برس أن “دولة داعش سقطت وانهارت بشكل نهائي في آذار 2019، حسبما أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وقوات سوريا الديمقراطية، لكن السقوط كان رمزياً وقد قُصد به على صعيد الحدود الجغرافية للدولة الإسلامية، لذا نستطيع القول إن هزيمتها لم تتم بشكل نهائي”.

وقال أديب إن “تنظيم داعش يشكل تهديداً كبيراً، يضاف إلى ذلك التقييم غير المنضبط لخطره، وهذا ما استفاد منه (داعش) إلى حد ما، حين نرى أن التحالف الدولي وكل القوى الشريكة في محاربة التنظيم لازالت تواجه الخطر نفسه.”

وشدد على أن التهديد الذي يشكله “داعش” هو ليس على  قوات سوريا الديمقراطية فحسب، بل على أمن الدول برمتها وأبعدها جغرافياً.

وأعرب عن اعتقاده أن التنظيم مرشح لأن يقيم دولته من جديد “ليس بالضرورة في الشرق الأوسط بل في أفريقيا على سبيل المثال”، وهذا ما تحذر منه تقارير أممية حول تحركاته في دول إفريقية كـ”بوكو حرام” في الصومال، مستغلاً ضغف الأنظمة السياسية الأفريقية.

خطر نائم

وأشار منير أديب إلى أن خطورة التنظيم “قائمة” محلياً ودولياً، وذلك في ظل وجود المخيمات والسجون المكتظة بعناصر داعش وعائلاته وكذلك الخلايا النائمة الطليقة، مبيناً أن مواجهة كيان كبير بارز وواضح في حدود جغرافية محددة، يبقى أسهل من مواجهة خلايا نائمة منتشرة هنا وهناك، كما حال التنظيم اليوم.

ويوجد في مخيم الهول بشمال شرقي سوريا، والذي يعد الأخطر على مستوى العالم، ما لا يقل عن 50 ألف شخصاً ممن اتبعوا تنظيم “داعش” وعائلاتهم وأطفالهم، ومعظمهم يحملون الفكر المتشدد.

وأشار الباحث المصري إلى خطورة عدم رغبة بعض الدول في استعادة رعاياها المنتسبين لـ”داعش”  في المخيمات والسجون، وهذا يمثل “أزمة عالمية” على حد وصفه.

وشهد سجن الصناعة في مدينة الحسكة بشمال شرقي سوريا في العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي يضم الآلاف من عناصر “داعش” اعتقلتهم “قسد” خلال سنوات الحرب، هجوم خلايا نائمة للتنظيم، ردت عليه قوات “قسد والأسايش” بحملة أمنية مكثفة استمرت لأسابيع إلى أن تمت السيطرة على السجن.

إلى جانب السجون والمخيمات، يُعتقَد أن آلاف العناصر المنتمين أو أنصار أو حاملي فكر التنظيم ينشطون في مناطق نائية بالبلدين سوريا والعراق، وبعضهم في حاضنات شعبية بقرى وبلدات كانت قد خضعت لسيطرة التنظيم سريعاً وقت ظهوره خلال عامي 2014 و2015.

وبحسب تقديرات كشفها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، في آب/ أغسطس الفائت، فإن أعداد عناصر “داعش” الطليقين تُقدّر بـ 10,000 عنصر ينشطون بين العراق وسوريا، وهذه المنطقة معرّضة للخطر بشكل كبير، على حد تعبيره.

وقال وقتها في إحاطته خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، إن قيادة “داعش” تدير أصولاً “تتراوح قيمتها بين 25 و50 مليون دولار (..) هذا المبلغ أقل بكثير من التقديرات التي كانت موضوعة قبل ثلاث سنوات فقط”.

اقتناص الخلافات

لا يستطيع عناصر التنظيم التحرك بسهولة من دون وجود عوامل يستغلها على الأرض، وجلها تتمثل بحسابات سياسية أوالطبيعة الجغرافية وكذلك الثغرات والأخطاء الأمنية.

يقول رئيس لجنة البيشمركة في برلمان إقليم كردستان العراق، ريفينك هروري، في حديثه لنورث برس، إن “خطر داعش لم ينته، بل مستمر وبقوة، بناء على ما نرى له من عمليات متكررة هنا وهناك.”

وفي إشارة إلى عوامل تنامي التهديد على مستوى العراق، ذكر هروري مسائل سياسية وطائفية كالمتعلقة بطبيعة القوى وانتشارها في مناطق لا تتناسبها (انتشار الحشد الشعبي في مناطق سنية، نموذجاً) وقضايا أخرى بقت معلقة بين أربيل وبغداد المتنازعتين على مناطق تمتد عرضاً من خانقين شرقي البلاد وصولاً إلى الموصل غربه، وهي نفس المناطق التي تشهد هجمات متكررة للتنظيم.

ويعتبر هروري أن ما ذكره أعلاه عوامل تساعد “داعش” على التجدد والتحرك، مبيناً أن شكاوى بعض الناس في مناطق معينة من القوى المسيطرة على الأرض كالحشد الشعبي مثالاً “يعزز لديهم روح الانتقام وبالتالي تقبّل التشدد فيتحولون إلى حاضنة لداعش.”

إضافة إلى ذلك، فطبيعة المنطقة الجغرافية الوعرة والمليئة بالحرائش أيضاً تساعد على أن تكون مخابئ، وفقاً للبرلماني الكردي.

ولم ترتقِ جهود حكومتي بغداد وأربيل في تشكيل قوة مشتركة لملئ الثغرات الأمنية في تلك الجغرافيا إلى المستوى المطلوب. فيرجع هروري ذلك إلى أن الحكومة العراقية لم تتحمل مسؤولياتها الكاملة بحجة عدم وجود ميزانية مخصصة وأمور أخرى.

ورغم أن للتحالف الدولي “دور كبير” في دعم القوى المحلية للقضاء على “داعش”، لكن لا يمكن القول أنه انتهى بشكل كامل، هذا ما شدد عليه رئيس لجنة البيشمركة البرلمانية.

وقال: “اعتقد أن داعش لا يزال يمتلك مصادر مالية من خلال عمليات الخطف وأخذ فدية، أو أنها ربما تحصل على دعم من مؤسسات وجهات ( دون تسميتها).

تهديدات تركية تعزز الخطر

وقال رئيس لجنة البيشمركة البرلمانية لنورث برس، إن التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في سوريا، “تؤثر بشكل سلبي وكبير على الوضع الأمني”.

وأضاف، “يبدو أن داعش ينتظر حملة تركية تؤثر على جهود قوات سوريا الديمقراطية، فيستغل الوضع وبالتالي الفرار من السجون والمخيمات”.

ولعل أكثر ما يثبت صحة حديث البرلماني، هي أحداث العنف وكذلك هروب بعض عائلات التنظيم من مخيم الهول مع ارتفاع حدة التصعيد التركي، كقصفه الأخير على شمال وشمال شرقي سوريا في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، والذي طال محيط المخيم.

وقال هروري: “بالتأكيد إذا نفذت تركيا هذه التهديدات سيبدأ داعش بتنظيم نفسه من جديد ويستغل الوضع.”

وعلّقت قوات سوريا الديمراطية قبل فترة ولمدة وجيزة، عملياتها المشتركة مع التحالف الدولي بسبب الهجمات التركية الأخيرة في شمال شرقي سوريا، مما يعزز رواية إن أي عملية تركية محتملة، تعرّض الاستقرار والأمن بما في ذلك الحرب ضد داعش، للخطر، وهو موقف تبنته أيضاً الولايات المتحدة.

وقيّم هروري السياسة الأميركية تجاه الوضع، بالقول إن مواقف الولايات المتحدة الأخيرة من التهديدات التركية كانت “إيجابية إلى حد ما”، لكن “المنطقة بحاجة إلى أن تتخلص من القلق والخوف من خلال تبني سياسية دولية شفافة” خاصة بشمالي سوريا.

أما بالنسبة لروسيا، يعتقد هروري أن موسكو تضغط بشكل من الأشكال على “قسد” عبر التلميح بالاتفاق مع تركيا وفتح المجال لعملية عسكرية.

لكن بعيداً عن مرام كل الدول المتداخلة في المنطقة، تبقى البيئة الأمنية والسياسية في سوريا “مثيرة للمخاوف” بعودة “داعش”، وفقاً للبرلماني.

تنسيق مشترك

وشدد البرلماني الكردي البارز على ضرورة زيادة التنسيق على المستوى العراقي بين القوات العراقية والبيشمركة وذلك لملئ الثغرات الأمنية والانتشار المكثف في المناطق التي تشهد تحركات لعناصر “داعش” أو التي تشتبه بذلك.

أما على المستويين السوري والعراقي، فيتطلب بحسب هروري، تنسيقاً عالياً بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات العراقية والبيشمركة، لتأمين الحدود المشتركة التي أزيلت خلال فترة من فترات سيطرة الدولة الإسلامية.

وبغض النظر عن “الاختلاف السياسي و الإيديولوجي” في طبيعة القوات، دعا البرلماني  جميع القوى الإقليمية لوضع الحرب ضد “داعش” في الأولوية القصوى، لأن التنظيم  “لا يفرق بين هذا وذاك” بحسب اعتقاده.

وعن الحلول المستدامة، قال الباحث المصري منير أديب، إنه “على المجتمع الدولي تفضيل المصلحة الأمنية المشتركة عن المصالح السياسية الخاصة التي تتبناها بعض الدول، بل يجب معاقبة الدول المستاهلة في هذا الشأن أو من لها علاقة بالتنظيم”.

وأضاف إن “مواجهة التنظيم تبدأ أولاً بمواجهة الدول التي تدعم الأرهاب ومنع أي دعم دولي لهؤلاء العناصر سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا.”

وسيطر تنظيم “داعش” قد سيطر في صيف عام 2014 على أكثر من ثلث مساحة العراق شملت نينوى، كركوك، ديالى، صلاح الدين والأنبار، وجعل من مدينة الموصل بشمال البلاد ما يشبه عاصمتة الثانية بعد الرقة في سوريا التي أعلنها “عاصمة الخلافة” بعد سيطرته على مساحات شاسعة من البلدين.

ونتيجة الحرب ضده في السنوات 2015 إلى 2019، فقد التنظيم سيطرته على المناطق بأكملها، لكن هزيمته ظلت في نطاقٍ عسكري جغرافي، في حين يستمر القلق المحلي والدولي مما يوصف بـ”قنابل موقوتة” تتمثل في السجون، المخيمات والخلايا النائمة، فضلاً عن انتشاره في بلدان أخرى بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تحت مسميات رديفة.

إعداد وتحرير: هوزان زبير