إدلب – نورث برس
في الساحة الرئيسية في بلدة قاح الحدودية مع تركيا شمالي إدلب، وعلى حافة الطريق، يجلس أحمد ذو الثلاثة عشر عاماً، وأمامه بسطة صغيرة عرض عليها بضعة ليترات من البنزين والعديد من ربطات الخبز، لإعالة إخوته الثلاثة الأصغر منه إضافةً إلى والدته، وذلك بعد أن أصبح المعيل الوحيد للعائلة بعد وفاة والده في ضربة جوية قبل سنوات.
وتسببت الحرب التي تشهدها سوريا منذ ما يقارب 12 عاماً، في مضاعفة عدد الأيتام ومعاناتهم، الأمر الذي دفع بعضاً منهم إلى ترك المدرسة والبحث عن عمل يدرّ المال لإعالة باقي أفراد الأسرة.
أمّا آخرون فاستقبلتهم دور الأيتام القليلة المتوفّرة في بعض المدن شمال غربي سوريا، ليصبح هؤلاء الفئة الأكثر تأثراً بالحرب التي تشهدها البلاد لا سيما وأنه فرض على معظمهم ترك الدراسة والتوجه للعمل بعد أن باتوا رجالاً بأجساد أطفال مسؤولين عن تأمين قوت يوم إخوتهم.
أحمد جلو (13 عاماً) من مهجري الغوطة الشرقية بريف دمشق، ويقيم مع والدته وإخوته الصغار في مخيم العهد للنازحين بالقرب من بلدة قاح شمال إدلب.
اضطر منذ عامين لترك مدرسته بسبب سوء الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية، والتوجه إلى المناطق الصناعية والأسواق في المخيمات وفي بلدتي قاح وأطمة باحثاً عن عمل يمكنه من تأمين قوت يومي لوالدته وإخوته الثلاثة الصغار.
وخلال العامين عمل في مهن مختلفة منها غسيل السيارات ومحال تصليحها وجمع الخردة.
ولكن جميع تلك الأعمال التي عملها لم تكن أجورها اليومية كافية لشراء كيلو ونصف من البطاطا أو الباذنجان وربطة خبز، بحسب “جلو”، ليتوجه مؤخراً إلى العمل في بيع البنزين والخبز من خلال بسطة صغيرة أنشأها على حافة الطريق في الساحة الرئيسية ببلدة قاح.
ووجد أن ذلك العمل أفضل بكثير من العمل لدى الناس. واصفاً ذلك بأنه على الأقل “عمل مشرف” لا يوجد به من “يتأمر عليك ويتحكم بك”.
وأشار الطفل إلى أن الأرباح التي يحصلها من خلال تلك البسطة الصغيرة أفضل بكثير من الأجور التي كان يعطيه إياها الذين عمل معهم.
وتتراوح الأرباح التي يحصلها “جلو” من خلال عمله في بيع البنزين والخبز ما بين 30 و50 ليرة تركية في الأيام العادية، بينما تتجاوز المئة ليرة تركية (نحو 30 ألف ليرة سورية) في حال كان هناك أزمة على إحدى المادتين.
ومنذ ثلاث سنوات يعمل فؤاد الزيدان (14 عاماً)، وهو نازح من مدينة تلبيسة بريف حمص، صانعاً في إحدى محال التصليح في المنطقة الصناعية بالقرب من بلدة أطمة.
ويعمل أخوه الآخر “سامر” ذو الـ12 عاماً في معمل لصناعة البطاريات بالمنطقة نفسها، وذلك بعد أن اضطرا أيضاً كسابقهم لترك الدراسة والتوجه إلى العمل لإعالة والدتهم التي هي الأخرى تعمل في خياطة الألبسة النسائية في منزلهم الكائن بمخيم “أبناء حمص” قرب بلدة أطمة.
وبات الطفلان مع والدتهما مسؤولين عن أنفسهم وعن إخوتهم الثلاثة الصغار بعد وفاة والدهم قبل نحو خمس سنوات نتيجة الحرب.
ويحصل “فؤاد” بعد أن أصبح “نص معلم” على حد وصفه، في الأسبوع على 150 ليرة تركية (45 ألف ليرة سورية)، بينما يحصل أخوه سامر على 100 ليرة في الأسبوع.
وعلى الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في عفرين، يشاهد وبشكل يومي عشرات الأطفال يعملون في تهريب مادتي البنزين والمازوت، مستغلين فارق السعر والذي يتجاوز الثلاث ليرات تركية وهي مربح هؤلاء الأطفال.
ومن بين هؤلاء الأطفال مازن العمر، (15 عاماً) وهو من نازحي بلدة كفرسنجة بريف إدلب الجنوبي، ويقيم اليوم مع والدته واثنين من إخوته في مخيم “أم الشهداء” ضمن تجمع مخيمات الجزيرة غرب بلدة أطمة شمال إدلب.
يقول “العمر” إنه ومنذ مقتل والده في شباط/ فيراير من العام 2020 خلال المعارك التي شهدتها مناطق جنوب إدلب، كان ذلك العام الأخير في مسيرته الدراسية، حيث ترك الدراسة وبدأ العمل في مهن مختلفة إلى أن اعتمد منذ ما يقارب العام تهريب المازوت والبنزين مصدر دخل عائلته الوحيد.
يوضح “العمر” طريقة عمله، حيث يخرج في صباح كل يوم من خيمته حاملاً على ضهره غالوني مازوت فارغين يذهب بهما سيراً على الأقدام إلى قرية دير بلوط أقصى جنوب غرب عفرين وتبعد عن مخيمات أطمة نحو ثلاث كيلومترات.
يقوم هناك بتعبئة الغالونين بنحو 20 ليتراً من المازوت أو البنزين بسعر عشر ليرات تركية لليتر الواحد، ومن ثم يعود على قدميه إلى مخيمات أطمة ليقوم ببيع ما قام بتهريبه بسعر 12 أو 13 ليرة تركية لليتر المازوت، وسعر 25 ليرة تركية لليتر البنزين الذي فقد من أسواق إدلب مؤخراً.
ويشير “العمر” أنه ومن خلال عمله هذا يتمكن من تحصيل أرباح تتراوح بين 50 و100 ليرة تركية في اليوم، يتمكن من خلالها شراء مستلزمات منزل عائلته وإخوته الصغار، متخلياً عن حلمه في إكمال دراسته والوصول إلى الجامعة في سبيل تأمين قوت إخوته ووالدته.