“أم آية” وحكاية عربة خشب وحديد ومصاصات سكرية

دمشق ـ نورث برس

كل من يمر في منطقة الشيخ سعد، في المزة يعرف عن كثب “أم آية” الامرأة الخمسينية التي ابتكرت عملها الخاص بعد أن قسى الدهر والحرب والقدر عليها كثيراً.

هي ابنة مدينة جبلة الساحلية، وتعيش في دمشق منذ أن تزوجت قبل 33 عاماً، وقبل 10 سنوات بتمامها وكمالها ترملّت، وربت أربع بنات دون أي معيل سوى عملها الخاص، وزاد على البنات حفيد ٌ جديد مؤخراً تركه والده وتوفى في الحرب السورية.

المحطة الأولى:

تنقلت “أم آية” التي تعيش قرب معمل الإسمنت في مخالفات دمر البلد حيث نسب التلوث العالية جداً، كانت تعمل في شطف المنازل وتنظيفها، وبعد أن أصيبت بعدة أمراض انتقلت لمرحلة أخرى تتحدث عنها لنورث برس.

وتقول بلهجتها العامية: “بعد أمور الشغل بالبيوت وبعد ما تعبت كتير لأنه توفى زوجي وصار برقبتي 4 بنات، صرت بيع قهوة وشاي ع الكازية بالمزة”.

لكن الناس وخصوصاً السائقين استهجنوا فكرة وجود امرأة تبيع القهوة والشاي ليلاً نهاراً على الكازية، “حاولت البقاء والصبر 6 أشهر، وبعد الغلاء الكبير في أسعار القهوة والشاي، لم أعد أستطيع الصبر”.

ولا يتجاوز ثمن أي فنجان قهوة كانت تبيعه السيدة، الـ500 ليرة سورية، لذلك فكرت بحلٍ آخر يجلب ربحاً أكثر نوعاً ما، يحقق لها دخلاً من تعبها “دون أي حسنة أو منة من عابر سبيل”، على حد تعبيرها.

عربة المصاص:

بعد تفكير عميق ودراسة جدوى اقتصادية من قبل السيدة الخمسينية التي لا تعرف المدرسة ولا التعليم، قررت أن تصمم عربةً خاصة بها، جمعت ما طالته يدها من حديد وخشب، ووضعت فوقها كرتونة وثقبتها بحيث تشتري “المصاصات السكرية” وتبيعها.

وتقصد “أم آية”، سوق الحميدية لتشتري بضاعتها بأسعار الجملة، وتبيعها بالمفرق، لتحقق ربحاً في كل مصاصة ما يقارب الـ100 إلى 200 ليرة سورية حسب حجم القطعة.

تقول لنورث برس عن مشروعها: “بدأت في المشروع ربيع هذا العام، تحديداً في شهر نيسان، أرتب المصاصات السكرية في العربة حسب الحجم والسعر، تتراوح الأسعار بين 500 و1500 ليرة سورية للواحدة، هامش ربحي بسيط، لكن الرزاق الله”.

وتجرُّ السيدة الخمسينية العربة وتنادي بصوت عالٍ “مصاصات مصاصات للبيع”، وتؤمن من خلال ما تجنيه من عملها هذا أجرة البيت ونصف أجرة الطريق التي تختصر نصفها بقطعها سيراً على الأقدام.

على تلك العربة الخشبية التي لا تخاف الحر ولا الشتاء، تقضي “أم آية” يومها منذ بزوغ الفجر حتى غروب الشمس، تمشط الطرقات في منطقة “الشيخ سعد” في المزة غرب العاصمة ذهاباً وإياباً.

تلك المرأة الخمسينية التي تشير التشققات في يديها والتجاعيد في وجهها والبدانة في جسدها، إلى عمرٍ من الخذلان مع القدر، كالعديد من السيدات السوريات على امتداد الجغرافية في البلاد، أصرت على خوض مشاق ومتاعب الحياة بكرامة.

تقول “أم آية” لنورث برس: “رغم كل معاناتي أمنع بناتي من العمل خارج المنزل، نأكل ما يتوفر كل يوم، يعطف الجيران علي بحب، لكن أرفض أن يعطيني أي شخص نقوداً دون أن يشتري مصاصة سكرية له، وأصبح لدي زبائن من الأطفال يشترون مني يومياً”.

إعداد: دهب المحمد ـ تحرير: قيس العبدالله