الحرب المنسية.. ماذا تستطيع روسيا أن تكسب من الأزمة المشتعلة مجدداً في سوريا

لا تزال سوريا، التي ألقت الحرب الأوكرانية بظلالها عليها، بلداً شديد الانقسام والعنف، فقد اشتعلت نيران الأعمال العسكرية مرة أخرى.   

وتعكس هذه الفترة الجديدة من الصراع في سوريا في ظل هجمات كل من روسيا وتركيا وإسرائيل، بعض خطوط القتال للحرب الأوكرانية وتهدد بأن يكون لها تداعيات على ساحتي القتال في البلدين.  

وبعد أكثر من عقد من الحرب، تجد هناك أعداداً كبيرة من القوات الروسية والأميركية والتركية على الأرض في سوريا، فروسيا تدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وتدعم كل من الولايات المتحدة وتركيا حلفائهما المحليين.  

ظهر في سوريا خلال عقد من الزمن مجموعة من المخاطر الأمنية المحلية والإقليمية والعالمية سريعة الاشتعال، وتفاقمت هذه المخاطر بسبب الحرب في أوكرانيا. وكانت القوى العالمية والإقليمية عاملاً مهماً لكن قامت روسيا باستغلال الحرب لتظهر للعالم قوتها العسكرية.

والآن، تظهر احتمالية أن تكون روسيا المستفيد الأكبر من مقامرة تركيا العسكرية الأخيرة بشن ضربات جوية على حلفاء الولايات المتحدة المحليين في سوريا. ويمكن أن يساعد ذلك في تعزيز علاقة فلاديمير بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت تحتاج فيه روسيا وبشدة إلى حلفاء مؤثرين.  

عندما انفجرت قنبلة في منطقة مزدحمة في إسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات، اتهمت تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي تربطها أنقرة بحزب العمال الكردستاني.  

وقوات سوريا الديمقراطية، التي تنفي أي صلة لها بهجوم إسطنبول، هي أيضاً الحليف الرئيسي لواشنطن في عملية العزم الصلب التي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).  

تعتبر الضربات الجوية التركية ضد أهداف قوات سوريا الديمقراطية في سوريا والتهديدات المستمرة بغزو بري أنباءً سيئة بالنسبة للحرب ضد “داعش” وسيئة أيضاً فيما يتعلق بالعلاقات بين واشنطن وأنقرة، حليفا الناتو. ونجحت التحذيرات، بما فيها تلك التي خرجت من وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حتى الآن في صد حملة برية تركية في سوريا.  

وأدت الضربات والتهديدات التركية إلى تعليق الدوريات المشتركة بين الولايات المتحدة والكرد ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، في الوقت الذي يشير فيه أحدث تقييم أمريكي لتنظيم الدولة الإسلامية إلى زيادة كبيرة في نشاطه في سوريا.

تداعيات على حلفاء أوكرانيا  

لا يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية المستفيد الوحيد من الضربات الجوية التركية ضد حلفاء الولايات المتحدة في سوريا، وأي انقسام بين حلفاء الناتو له تداعيات أوسع على الحرب في أوكرانيا. وبقيت كل من تركيا وهنغاريا عضوي الناتو الوحيدين اللذين لم يوافقا بعد على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف.   

وترتبط معارضة التركية لانضمام الدولتين بدعم فنلندا والسويد المزعوم للمسلحين الكرد. وإن إمكانية استخدام حق النقض ضد انضمامها يمنح أنقرة مساحة أكبر لمتابعة أجندتها الخاصة في سوريا وتحد من مقدار الضغط الذي يمكن أن تمارسه واشنطن.  

لعبت تركيا، جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة، دوراً فعالاً في تقديم المساعدة بشأن الوساطة في إتمام صفقة حيوية والحفاظ عليها وتوسيع نطاقها من أجل تسهيل صادرات الحبوب الأوكرانية. ولا يزال الرئيس أردوغان أيضاً أحد القادة القلائل في الناتو الذين يحتفظون بقنوات اتصال مفتوحة مع بوتين، وهذا أمر سيكون حاسماً إذا بدأت روسيا وأوكرانيا في التفاوض على إنهاء الحرب.  

ربما تكون تركيا، عضو الناتو، هي الأقرب لروسيا، وسيكون خلاف أنقرة مع حلفائها في الناتو موضع ترحيب كبير في موسكو. وفي الوقت الذي كان الكرملين يحذّر من العمل العسكري التركي في سوريا، حاول أيضاً تعزيز التقارب بين أردوغان والأسد.

وأظهر أردوغان بعض الانفتاح على هذه الفكرة، فعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي إلى انتقال موثوق من الحرب إلى السلام في سوريا. ولكن إذا كان هذا التقارب ممكناً، فإنه سيفتح إمكانية عودة بعض مئات الآلاف من اللاجئين من تركيا إلى سوريا وقد يمنح أردوغان منطقته الأمنية على طول الحدود التركية السورية التي طالب بها لفترة طويلة.  

وشكل هذا الأساس لاتفاق عام 2019 مع واشنطن وموسكو الذي أنهت تركيا من خلاله تدخلاً عسكرياً في سوريا، وبعد ذلك كان من المتوقع أن تساعد روسيا والولايات المتحدة في تطهير الحدود التركية من المسلحين الكرد. وزعمت تركيا مؤخراً أنها لم تفعل ذلك. مع سعي أردوغان لإعادة انتخابه في عام 2023، فإن إضافة المزيد من الأمن على الحدود وتخفيف مشكلة اللاجئين من شأنه أن يحسن احتمالات فوزه بولاية أخرى.

ما تحتاجه روسيا

بالنسبة لروسيا، ليس من المهم فقط دعم حليف حيوي في أنقرة، فهي أيضاً لا تستطيع تحمل التزام أكبر في سوريا بالنظر إلى مدى سوء الحرب في أوكرانيا. إن التقارب بين أنقرة ودمشق، وبين النظام السوري والكرد من شأنه أن يعزز دور روسيا كوسيط رئيسي للسلطة في سوريا، وبالتالي وجودها ونفوذها في بلد مهم استراتيجياً في الشرق الأوسط.

سيسمح تعزيز نظام الأسد لروسيا بالحفاظ على علاقات جيدة مع إيران التي ظهرت مؤخراً كمورد للطائرات المسلحة بدون طيار التي تستخدمها روسيا في الهجمات على البنية التحتية الأوكرانية.  

روسيا بارعة تماماً في لعب مثل هذه الألعاب متعددة المستويات وربط النقاط بين مسارح العمليات البعيدة جغرافياً التي تبدو منفصلة عن بعضها. إن الحقيقة القائلة بأن الحرب في أوكرانيا لم تسلك طريق روسيا مؤخراً، تجعل من المرجح أن تحاول موسكو استغلال الأزمات مثل الأزمة الحالية في سوريا لصالحها. ولن تنجح في القيام بذلك إلا إذا فشل الغرب في لفت الانتباه.   

المقال كتبه ستيفان وولف لصحيفة ذا كونفرزيشن وترجمته نورث برس