ثمانون يوماً.. طهران تترنح تحت وطأة احتجاجات هي الأكبر منذ أربعة عقود
دمشق- نورث برس
قبل شهرين وثلاثة أسابيع، بدأت الشرارة الأولى من الاحتجاجات تشتعل من مفرق عام وسط العاصمة الإيرانية طهران، لتتسع خلال أقل من أسبوع وتشمل عشرات المدن والبلدان في سائر أرجاء البلاد، فتغير سلوكيات النظام وتخلق أزمة غبر مسبوقة لدى السلطات التي استخدمت قوتها العسكرية والدبلوماسية وحتى المراوغة من أجل السيطرة على الوضع المقلق بالنسبة لها.
وتمثل آخر خطوة أعلنتها السلطات القضائية في البلد الإسلامي، من خلال حل شرطة “الأخلاق” المتهمة بقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، إشارة واضحة إلى محاولة جديدة لاحتواء الأزمة التي تكاد أن تخرج عن السيطرة، في ظل هيمنة الشعب على الشارع رغم مقتل المئات منهم في مواجهة القوات الأمنية والعسكرية.
بداية القصة
في يوم الرابع عشر من أيلول/سبتمبر، اعتقلت شرطة “الأخلاق” أو “دورية الإرشاد”، الفتاة الكردية مهسا أميني، (مواليد مدينة سقز- 22 عاماً) عندما كانت في زيارة لدى أقاربها في العاصمة طهران، بحجة عدم التزامها باللباس الشرعي (الحجاب).
في عملية الاعتقال، تلقت “أميني” ضربة على رأسها تسببت بوفاتها بعد يومين من الاحتجاز، حسب رواية ذويها ومنصات حقوقية، لكن جاء ذلك على خلاف مزاعم السلطات التي تقول إن “الفتاة تعرضت لنوبة قلبية”.
وفور انتشار خبر وفاتها في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر، تحرك الشارع في طهران، وتحديداً من أمام المشفى الذي فارقت فيه الحياة، فتجمع ناشطون وناشطات ليرفعوا شعارات حقوقية ومناهضة للعنف ولا سيما بحق النساء.
بعد يومين فقط شهدت معظم المدن في إيران بما في ذلك العاصمة طهران، وخاصة الكردية في غرب البلاد، مظاهرات عارمة تجاوزت حدود الأعراق والأطياف.
ومع دفن الفتاة في مسقط رأسها بمدينة سنة في غرب إيران (شرق كردستان) ظلت أصوات المحتجين تصدح دون توقف رغم أن القوات الأمنية ردت بالسلاح والعنف وأسقطت قتلى وجرحى.
وتقول منظمات حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها في المهجر، إن ما لايقل عن 400 شخص بينهم أطفال ونساء، قتلوا برصاص أو بشتى أنواع آلات القمع التي استخدمتها السلطات لإنهاء الاحتجاجات، أما أعداد المعتقلين فقد تجاوزت الآلاف، بينما لم ترد حصيلة ثابتة عنها.
وهذه الحصيلة لاتزال تعتبر أولية، مع صعوبة التوصل إلى المعلومة في البلد الذي أحكم قبضته على وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت.
آخر المستجدات
في تطور لافت قبل ثلاثة أيام، ويُفسر على أنه محاولة لاحتواء الموقف، أعلن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، حل “شرطة الأخلاق” من قبل السلطات المختصة نفسها.
وكانت شرطة الأخلاق أو المعروفة محلياً باسم “دوريات الإرشاد” قد أُسست في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد أحمدي نجاد، من أجل الالتزام باللباس الإسلامي بما في ذلك الحجاب. وارتبط اسم هذه المؤسسة بعناوين الأخبار الخاصة بالاحتجاجات الإيرانية، كونها المتسبب بوفاة أميني.
إلى ذلك، من المتوقع أن يراجع البرلمان والسلطة القضائية خلال فترة مقبلة، القانون الذي يفرض على النساء وضع غطاء للرأس.
بالرغم من هذين التطورين، تستمر الاحتجاجات المتفرقة، بينما تشهد العاصمة طهران منذ أمس إضراباً، حيث أغلق الناس أبواب محالهم في الأسواق كنوع آخر من أشكال الضغط على السلطات.
ويستمر الإضراب ثلاثة أيام بدعوة من المحتجين ضد النظام في البلاد، شملت أيضاً امتناع بعض السكان عن إيصال أبنائهم للمدارس، إلى جانب إغلاق المتاجر أبوابها في عدة مدن رغم التحذيرات الأمنية.
تراكمات
في الواقع، لم تكن قضية الفتاة الكردية جينا أميني (مهسا) السبب الوحيد لانطلاق الاحتجاجات، في المدى البعيد على الأقل، لكنها مثلت القشة التي قصمت ظهر السلطة، عند الأخذ بعين الاعتبار تحوّل الاحتجاج من مناهضة قتل امرأة، إلى مطالب بإسقاط النظام ووصفه بالدكتاتور القاتل في إشارة إلى النظام الإسلامي.
وبدأ حكم الخيميني بعد إسقاط ملكية الشاه عام 1978، وفرض تدريجياً قوانين صارمة بما فيها الإعدام، وعرفت بحكم “الملالي”، وغرقت في حرب طويلة مع النظام العراقي السابق، ثم صراع دولي على النفوذ في عدد من البلدان اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
وانهار الاقتصاد في إيران بشكل ملحوظ خلال العقد الفائت، وهوت العملة إلى مستوى متدنٍ، أدت إلى الفقر وسط كمّ الأفواه وسوء واقع حرية التعبير.
ما ذكر وأكثر، جعل شعوب إيران مشحونة، إذ لم تكن هذه المظاهرات هي الأولى، بل سبق وشهدت البلاد احتجاجات للعمال عام 2019 وفيها أيضاً سقط العديد من الضحايا.
لكن الاحتجاجات التي مضى على انطلاقها أكثر من ثمانين يوماً، تعد الأكبر والأطول والأشمل منذ قدوم الحكم الإسلامي قبل أكثرمن أربعة عقود، كما تعد الأكثر تاثيراً على المستوى الدولي من حيث كمِّ ونوع الإدانات الدولية لما تمارسه السطات الإيرانية لاحتواء أزمتها.
تصدير الأزمة
بعد الصخب الدولي الناجم عن الاحتجاجات التي حملت هتاف “المرأة حياة حرية” وهو شعار كردي اشتهر في شمالي وشمال شرقي سوريا وكذلك في جنوب شرق تركيا (شمالي كردستان)، ورددته نساء من مختلف الدول، حمّلت إيران دولاً خارجية مسؤوية تأجيج الشارع واتهمت قوى مدعومة غربياً بالوقوف وراء الاضطرابات أو ما تسميه طهران “عمليات التخريب”.
وكان العراق أول المستهدفين من قبل إيران، فشنت سلسلة هجمات صاروخية ومدفعية على مواقع أحزاب كردية إيرانية معارضة تنتشر في مناطق حدودية من إقليم كردستان.
ورغم محاولات بغداد وأربيل بالنأي عن نفسيهما في ما يجري بالداخل الإيرني، استمرت الهجمات وتطورت إلى تهديد باجتياح بري مالم يتم نزع سلاح الأحزاب المعارضة، وقد نوقش هذا الملف بين البلدين مؤخراً.
والأسبوع الفائت، ذهب هذا الملف مع زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوادني إلى طهران الأسبوع الفائت، وشدد على أن بلاده تهتم بأمن إيران.
جاء ذلك بينما سرقت الاحتجاجات والمواقف الدولية الداعمة لها، الأضواء من الملف النووي الذي بقي معلقاً دون نتيجة نهائية، لتبقى إيران في مرمى العقوبات منذ انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق عام 2018.