فقد زوجته وطفلته.. نازح بريف ديرك انقلبت حياته رأساً على العقب
ديرك- نورث برس
في خيمته أقصى شمال شرقي سوريا، يجلس عبد برفقة طفلاته الأربع، وبينما هو في لحظة شرود، تقاطعه إحداهن طالبة منه أن يلبسها معطفها، فيما تطلب أخرى الطعام.
مرت أربع سنوات على عبد إبراهيم (36عاماً)، وهو يصطدم بواقع الحياة وصعوبتها بعد فقدان زوجته، بات لوحده مسؤولاً عن رعاية شؤون طفلاته وتأمين احتياجاتهن، محاولاً بكل جهده أن يغطي مكان والدتهن وإن كان يفشل في ذلك في كثير من الأحيان.
لم يرد الأب الذي رست به عواصف الحياة في مخيم نوروز بريف مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، الحديث أمام طفلاته، فخرج من الخيمة, جلس على حجر بينما يظهر من خلفه أرض قاحلة لا تشبه مسقط رأسه.
استجمع قواه وعاد بذاكرته إلى يوم الفاجعة, لم يكن سهلاً عليه الحديث عن اللحظات التي فقد فيها زوجته بينما هي ملطخة بدمائها وهو عاجز عن إنقاذها، حينها كان وابل من القذائف التركية تسقط على قريته السياطية بريف الحسكة.
في صباح الحادثة والذي كان بعد يوم من الهجوم التركي على سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض عام 2019، خرج “إبراهيم” إلى حراثة أراضي لمزارعين ولم يطل حينها عمله، فدوي القذائف أجبره على العودة.
في طريق العودة، صادف قبل وصوله إلى منزله، شقيقه الذي كان يقطن بجواره، أخبره أن زوجته أصيبت نتيجة سقوط قذيفة تركية على منزله، بينما نجا أطفاله.
يقول: “وصلت إلى المنزل فشاهدت زوجتي وهي تنازع الموت أمامي, فارقت الحياة وأنا أحاول إسعافها”.
وفي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، شنت تركيا برفقة فصائل مسلحة موالية لها، عملية عسكرية ضد سري كانيه وتل أبيض، انتهت بسيطرتها على المنطقتين ونزوح نحو 300 ألف شخص، بحسب إحصائيات للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
كان “إبراهيم” واحداً من هؤلاء الذين أجبروا على ترك منزله وممتلكاته، ولكن بعد أن دفن زوجته في مقبرة القرية، ويصف ذلك بقوله: “وكأني تركت جزءاً مني هناك”.
العملية التركية حينها لم تنتهِ بالسيطرة على سري كانيه وتل أبيض، بل حولت العشرات من قرى ريف تل تمر، شمالي الحسكة لخط تماس والتي تتعرض لقصف بشكل متكرر.
نزح “إبراهيم” برفقة بعائلته إلى منطقة جبل عبد العزيز بريف الحسكة وقطنوا هناك في منزلٍ “مهجور” على أمل أن تهدأ الأوضاع ويعودوا إلى قريتهم، لكن “الأمور لا تجري كما تشتهيها السفن”.
وبينما كانت العائلة تعيش على أمل العودة لمنزلها، فجعت مرة أخرى بالطفلة الأصغر سناً (عام وشهرين)، لدغها عقرب ففارقت الحياة.
يقول الأب المفجوع، “كانت رعايتها مواساة لي لفقدان زوجتي، كنت أقضي كامل وقتي معها، لكن هي الأخرى رحلت”.
لم يتمالك الأب دموعه التي بدأت تملأ أحداقه، وهو يتذكر الطفلة وهول الحادثة, “كانت تحبو بجانب جدتها أمام المنزل، لدغها عقرب، بدأوا يصرخون وينادوني، هرعت إليها وحملتها، ماتت بين يدي”.
ومع مخاوف أن تتالى الفجائع، قرر النازح ترك منطقة جبل عبد العزيز واللجوء إلى مخيم نوروز الذي يضم عائلات نازحة من سري كانيه وتل أبيض وعفرين.
ومنذ تصعيد تركيا قصفها على مناطق متفرقة بشمال شرقي سوريا في العشرين من الشهر الماضي، يعيش “إبراهيم” حالة من القلق الدائم، فحياة عائلته لا زالت معرضة للخطر وقد يخوضوا رحلة نزوح جديدة إذا ما نفذت تركيا عمليتها البرية التي تلوح بها.