المعتقلون السوريون في سجون الحكومة.. مأساة إنسانية وأرقام في الإحصائيات والمفاوضات

درعا/ السويداء ـ نورث برس

إلى جدران سجن صيدنايا العسكري، تعود الذاكرة لقرابة ربع قرن أمضاها سجين سياسي من محافظة السويداء، داخل المعتقل، بتهمة الانتماء لأحزاب يسارية.

فالذاكرة ترفض العودة من ذاك السجن رغم مرور أعوام على خروجه،  كيف للنسيان أن يحدث في جسد لازال إلى اليوم يعاني من عذاب ربع قرن من الاعتقال، هكذا اختصر معتقل سياسي، سابق، فضل عدم الكشف عن اسمه، لنورث برس، قصة اعتقاله داخل السجون السورية.

ويقول المعتقل السابق لنورث برس: “خرجت عام 2013 بعد أن  امتلأت السجون  بالسوريين، لتتجدد المأساة بين جدران سجن صيدنايا لجيل جديد يحمل أفكاراً ثورية كان مصيرها الاعتقال والتعذيب”.

وبعد لحظات من الصمت يسترجع فيها آلام سنوات الاعتقال، يقول: “حتى لو انتهت الحرب، وفرضت الدولة مصالحات سياسة، ستبقى الحرب مستمرة من خلال الذاكرة وأثر العنف الجسدي الذي تعرض ويتعرض له المعتقلون”.

ووثق نشطاء في مدينة السويداء، أسماء 27 معتقلاً منذ بداية الحرب السورية إلى اليوم في سجون الحكومة، وأحصوا أسماء 13 معتقلاً في الفترة ذاتها فقدوا حياتهم داخل المعتقلات.

ولعل لسكان محافظة درعا تجارب ومأسي أكبر في المعتقلات والتعذيب خلال السنوات الماضية.

مهند المسالمة، ناشط إعلامي في ريف درعا الشرقي، قال لنورث برس، إنه تعرض للاعتقال على يد القوات الحكومية وتم نقله من أحد الحواجز العسكرية في ريف درعا الشرقي إلى مركز المدينة قبل تحويله إلى أحد الأفرع الأمنية التابعة للقوات الحكومية في العاصمة دمشق.

وكانت التهم الموجه “للمسالمة”، الخروج في مظاهرات مناهضة للحكومة، ومكالمات هاتفية مع قادة سابقين في المعارضة السورية ومطلوبين للقوات الحكومية.

وأضاف، أن عدداً من التهم وجهت له، منها التجسس على حاجز عسكري تابع للقوات الحكومية في بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي وإيصال معلومات عن الحاجز للمسلحين المحليين، بالإضافة إلى تهمة نشاطات مناهضة للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصف “المسالمة” أساليب التعذيب التي تعرض لها بـ”الوحشية ودون رحمة” حيث يتم استخدام أبشع أنواع التعذيب “لانتزاع الاعتراف بالقوة”.

يبدأ التحقيق ويرافقه التعذيب المتدرج، “أولاً لكمات على الوجه وكلما كنت أنكر التهم الموجهة إلي كان يشتد التعذيب حتا بدأ ضرب الكرباج وبعده الصعق بالكهرباء والتكبيل داخل الدولاب حتا نزع الاعترافات”.

يقول: “خرجت بعد دفع 4000 دولار لضباط الفرع”. ويعتقد “المسالمة” أن المعتقلين القدامى قد “تمت تصفيتهم ولا أمل برجوعهم”.

توثيق

محمد الشرع عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا، قال لنورث برس، إنه “تم توثيق اعتقال بين ستة آلاف وخمسمائة، وسبعة آلاف شخص من قبل النظام السوري في محافظة درعا بعد اندلاع الثورة ربيع العام 2011″.

وأضاف أن “1349 شخصاً قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري منذ ربيع 2011 وحتى اليوم”.

ومن أكبر هواجس أهالي المعتقلين أن تتحول قضية  أبنائهم لأرقام في الإحصائيات وملفات تفاوض يكسبها الأقوياء لتكون سنوات عذابهم ذهبت مع أبنائهم المغيبين قسراً داخل السجون.

 الناشط السياسي، والمعتقل سابقاً، مهند شهاب الدين، وهو عضو مؤسس التجمع الديمقراطي العلماني وعضو المكتب الإعلامي للمجلس السوري للتغير في السويداء، قال إن “مصير معتقلي الرأي في سوريا مجهول حتى اللحظة”.

وأضاف لنورث برس: “نتحدث عن نظام أمني قمعي لا تربطه أي مواثيق أو معاهدات دولية تردعه من ممارسة أشد أنواع التعذيب والقمع بحق سجناء الرأي”.

ويشير إلى أنه قبل عام ٢٠١٩، كان هناك وقفات للمطالبة بمعرفة مصير المعتقلين والمغيبين قسراً، ومؤخراً اقتصر النشاط على بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المهتمين بالشأن الإنساني للمعتقلين.

ونهاية نيسان/ أبريل الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، المرسوم رقم /7/ لعام 2022 الذي يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ الثلاثين من نيسان/ أبريل 2022.

واستثنى المرسوم الجرائم التي أفضت إلى موت إنسان، والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم /19/ لعام 2012 وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ لعام 1949.

“مجرد أرقام”

ويتأسف “شهاب الدين” لتحول ملف المعتقلين إلى مجرد أرقام، والخوف من أن يصبح طي النسيان مع تعامي المجتمع المحلي خاصة والعالمي عامة عن الواقع المأساوي لهؤلاء المعتقلين، بحسب قوله.

وعن تجربة اعتقاله يعتبر “شهاب الدين” نفسه محظوظاً كونه استطاع النجاة والبقاء حياً.

ويرى أن تجربة اعتقاله والذي  دام 115 يوماً لا تقارن بمن لا زال يعاني داخل المعتقلات “وقد يتمنون الموت على البقاء أمواتا أحياء في سجون القهر والذل”.

ويتأسف أنور البني وهو محامٍ، لعدم حدوث مفاوضات حول مصير المعتقلين “والتي لم تكن يوماً جزءاً من المفاوضات لا بين النظام ولا بين المعارضة”، بحسب قوله.

ويضيف لنورث برس، أنه كان من الممكن لو وضعت قضية المعتقلين على طاولة التفاوض أن “تحزر تقدماً”. 

ويرى  أن ملف المعتقلين “لم يدخل في اهتمام الدول الداعمة، ولا الجهة المفروض أنها تمثل السوريين، فهي أول من تجاهل وأهدر ملف المعتقلين”.

ويؤكد “البني” على ضرورة أن يتم فرض ملف المعتقلين قبل الحديث عن أي حلول سلمية.

ويرى أن أستانا “ليس لها دخل بمسألة المعتقلين مع 19 جولة لغاية الآن، وكلها لم تحرز أي تقدم ودائما يقولون ملف المعتقلين”.

إعداد: إحسان محمد / رزان زين الدين ـ تحرير: قيس العبدالله