تهجيرٌ قسري وفقدان معيل عائلتها وفلذة كبدها وسوء وضعها الصحي.. سيدة عفرينية تروي مأساتها لـ”نورث برس”
حلب- دجلة خليل- NPA
أفرزت سياسة التهجير القسري، التي أنتجتها الحرب الدائرة في سوريا واقعاً إنسانياً أليماً في مخيمات ريف حلب الشمالي التي استقبلت الآلاف من مهجري منطقة عفرين، وتستفحل المعاناة أكثر بين النساء اللواتي وجدن أنفسهن فجأة في بيئة جديدة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات العيش.
عائشة علي عبدو البالغة من العمر/41/ عاماً من قرية براد التابعة لناحية شيراوا بمنطقة عفرين, لم تتخلى عنها الفاجعات منذ بدء الأزمة السورية 2011, لتبدأ من فقدان زوجها المعيل الوحيد لها ولأطفالها, لتفقد بعد سنوات ابنها البكر, وينتهي بها المطاف أخيراً في خيمة مغبرة مع أطفالها الثلاثة الصغار بريف حلب الشمالي.
خطف عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) زوجها عام 2013، في قرية قباسين بريف حلب الشمالي, أثناء توجهه إلى مدينة حلب لإيصال إحدى النساء في حالة إسعافية, حيث كان يملك الزوج حافلة (ميكرو) يعيل بها عائلته.
وانقطعت أخبار الزوج عدة أشهر, ليجدوه بعد عمليات بحث دامت ثلاثة أشهر, في مقبرة جماعية برفقة 9// أشخاص آخرين في قرية قباسين مقطوعي الرأس.
وتشير عائشة في حديثها لـ"نورث برس" إلى أن تنظيم "الدولة" اختطف وقتها أكثر من /20/ شخصاً, مبينة أن رجال القرية وإخوة زوجها عثروا وقتها على عدد من المقابر الجماعية, من بينها المقبرة التي وجدت فيها جثة زوجها.
بعد فقدان عائشة لزوجها, أصبحت أباً وأماً بنفس الوقت لأطفالها الثلاثة, فبدأت تعمل هي وولدها البالغ من العمر 13// عاماً في الحقول الزراعية, لتؤمن قوت أطفالها, لتتحسن أوضاعهم المعيشية فيشترون بقرة ليعتمدوا على بيع حليبها ولبنها في تأمين خبز يومهم.
لم تدم الحالة هكذا, ليبدأ الاجتياح التركي لمنطقة عفرين, فتفقد عائشة ابنها البكر في المعارك مع القوات التركية والفصائل المدعومة منها, فتقول عائشة "فقدت فلذة كبدي أيضاً, فازداد حزني وألمي, ليتحول إلى كتلة أمراض في جسدي".
وتعاني عائشة من مشكلة صحية ونفسية صعبة, حيث أنها تعاني من مشكلة الضغط, فضلاً عن عدم مقدرتها على التحكم بيدها اليسرى, فتقول "رغم وضعي الصحي الصعب, إلا أنني أبحث عن عمل لإكساء وإطعام أطفالي".
وتتحدث عائشة أثناء استهداف تركيا مع الفصائل المدعومة منها لمدينتها, فتضيف "اشتد القصف على القرية, فهرب جميع الأهالي, لم أكن أرى موطئ قدمي للهروب من كثرة الازدحام وتدافع الأهالي".
وتبين عائشة أن صوت القذائف كان قوياً, يمتزج مع صراخ النساء والأطفال, "فنرتعب من شدة الصوت", منوهة أن فكرة أن تفقد ولداً آخر, كان يزيد من خوفها ورعبها, قائلة "لم أدري كيف خرجت من قريتي مع أطفالي إلى قرية كلوتيه المجاورة".
وانتقلت عائشة وأطفالها فيما بعد, إلى ريف حلب الشمالي, باحثة عن مأوى آمن لأطفالها, فتقول "توجهت إلى قرية كلوتيه ومن ثم إلى مياسة ومنها إلى أحرص, ثم فافيين وتل قراح, لكنني لم أجد مكاناً يأويني".
وانتهى بها المطاف في مخيم "سردم" بريف حلب الشمالي مع أطفالها في خيمة لا تقيهم من برد الشتاء وحر الصيف.
لم تتمكن عائشة من إخراج بقرتها معها من القرية, فقامت ببيعها مع عجلين آخرين بنفس السعر الذي اشترته سابقاً, مشيرة إلى استغلال التجار من بلدة نبل للأوضاع وقيامهم بشراء المواشي بنصف سعرها.
وتبحث المرأة الأربعينية رغم وضعها الصحي الصعب عن عمل مناسب لظروفها ووضعها الصحي, إلا أنها لم تجده بعد, فتقول "أبحث عن عمل, لكنني لا أجده, ولا أحد يساعدني على إعالة أطفالي".
عائشة واحدة من آلاف النساء اللواتي عشن ظروفاً مأساوية أثناء القصف التركي الذي طال مناطقهن، من فقدان المعيل أو الزوج أو أحد الأبناء, فضلاً عن التهجير والتشرد، مما يضاعف من المسؤوليات الملقاة على عاتقهن, فتضطر إلى أخذ زمام العديد من المهام الصعبة.
وهُجر ما يقارب 350// ألف شخص من منطقة عفرين إلى ريف حلب الشمالي إبان سيطرة تركيا مع فصائل المعارضة المدعومة منها على المنطقة في الثامن عشر من شهر آذار/مارس العام المنصرم.