أردوغان ولعبته المكشوفة على خط إيميرالي – أدرنه

أثارت الزيارة التي قام وفد من حزب العدالة والتنمية الحاكم لحزب الشعوب الديمقراطية قبل أيام للنقاش حول دستور جديد جدلاً كبيراً في تركيا، فالحزب الذي كان يجري الإعداد لحظره بحجة تورطه في الإرهاب، وأنه يشكل الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، حيث تم زج كبار قادته في السجن، وعزل رؤساء بلدياته المنتخبين، بات محط اهتمام أردوغان والمعارضة معاً، وهو ما يطرح السؤال عن السر في ذلك، وزيارات كبار المسؤولين الأتراك للمدن الكردية لاسيما دياربكر- آمد.     

في الواقع، يعرف الجميع أنه كلما هناك انتخابات في تركيا، وجه أردوغان الأنظار إلى معتقل إيميرالي، حيث يقبع فيه الزعيم الكردي، عبدالله أوجلان، منذ أكثر من عقدين، اليوم ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية المقررة صيف العام المقبل، أضاف أردوغان إلى معادلته السابقة أدرنه، حيث يقبع فيه الزعيم المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديميرداش، طبعاً، الهدف واضح، وهو الحصول على أصوات الكرد، وإن لم يكن فتشتيتها، أوالعمل لعدم ذهابها إلى المعارضة، خاصة بعد تصاعد نفوذها، عقب الهزيمة الانتخابية التي ألحقتها بأردوغان وحزبه في الانتخابات البلدية عام 2019، وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى ما روجته مؤخراً زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار عن لقاءات بين مسؤولين من نظام أردوغان وأوجلان في ايميرالي.                                           قبل فترة، قال أردوغان جملة أثارت الكثير من الجدل في الساحة التركية، عندما قال أمام كتلة حزبه البرلمانية ( القابع في أدرنه سيقدم كشف الحساب الأكبر لذلك القابع في إيميرالي) في إشارة إلى كل من أوجلان وديميرداش، دون ذكرهما بالاسم، ولعل عدم ذكرهما، يشير إلى مدى الفووبيا التي تعشش في أذهان المسؤولين الأتراك من زعماد الكرد ورموزهم، إلى درجة أن ذكرهم دون ربطهم بالإرهاب والانفصالية قد تودي بصاحبه إلى السجن.

تصريحات أردوغان هذه، فسرتها الصحافة التركية بوجود صفقة بين أردوغان وأوجلان بخصوص الانتخابات، بل ذهب البعض إلى حد الحديث عن مواعيد للإفراج عن أوجلان، وهو ما دفع بديميرداش إلى الخروج عن صمته، والمطالبة برفع العزلة عن أوجلان حتى يتمكن من التحدث، ومعرفة حقيقة موقفه، وهو ما يذكرنا بالمحاولة الفاشلة التي لعبها أردوغان عشية الانتخابات المحلية عام 2019، عندما حاول الاستثمار في إيميرالي، قبل أن يحول ديميرداش لعبته هذه إلى هزيمة له في انتخابات إسطنبول، عندما دعا الكرد إلى التصويت بقوة لصالح المعارضة، وهو ما حصل.

مشكلة أردوغان أنه يتعامل مع إيميرالي، وحديثاً أدرنه كورقة انتخابية، وليست كقضية سياسية بحاجة إلى عملية ديمقراطية، تنتهي بحل سياسي للقضية الكردية، وهو حينما يفعل ذلك، يريد تعزيز أوراقه في مواجهة صعود المعارضة التي باتت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمها على تحالف أردوغان- باهجلي، وهنا بالضبط تكمن ورطة أردوغان، إذ أنه في الوقت الذي يوحي بتصريحات سياسية إيجابية تجاه الكرد، قبيل الانتخابات، تكشف الوقائع السياسية والميدانية حقيقة عكس ذلك، وتعامله الانتهازي مع الكرد كورقة انتخابية لا أكثر، لا لأنه لا يستطيع الذهاب بعيداً عن تحالفه مع حزب الحركة القومية المتطرفة بزعامة باهجلي، بل لأنه يعتمد الحرب نهجاً رسمياً في التعامل مع قضية سياسية مزمنه في تاريخ البلاد، وعليه، أي حديث عن انفتاح تركي على القضية الكردية، دون وقف الحرب ضدهم، ليس أكثر من عبث سياسي، وإلا كيف يمكن فهم استمرار الحرب الدموية ضد الكرد بحجة محاربة (إرهاب) حزب العمال الكردستاني، أو استمرار حملة القمع والإقصاء ضد حزب الشعوب الديمقراطي، ومحاولة حظره، ومنع قادته من ممارسة العمل السياسي، بحجة التواصل مع (المنظمة الإرهابية)، حيث عمقت هذه الحرب من عدم الثقة بأردوغان، وخلقت مسافة كبيرة بينه وبين الناخب الكردي، الذي بات صوته يشكل الكفة الراجحة للفوز في أي انتخابات في تركيا، خاصة في ظل الاستطلاعات التي تعطي لحزب الشعوب نحو ثلاثة عشر بالمئة من الأصوات في عموم تركيا، ولعل مثل هذه النسبة كفيلة بضمان فوز المعارضة أو أردوغان إذ قرر حزب الشعوب التصويت لأي منهما.

الحديث عن انتهازية أردوغان، ونفاقه في التعامل مع القضية الكردية على هذا النحو، لا يعني أن المعارضة التركية أفضل منه بخصوص هذه القضية، إذ بدا التحالف السداسي الذي تشكل بين أحزاب الشعب الجمهوري، الخير، المستقبل، الديمقراطي، الديمقراطية والتقدم، والسعادة، والذي بات يعرف بأحزاب طاولة الستة، ليست سوى نسخة أخرى من الايديولوجية القومية التركية التي تنكر حقيقة القضية الكردية، فهذه الأحزاب التي تشوبها خلافات فكرية وأيديولوجية، اتفقت على إسقاط أردوغان، ولكنها تهربت من التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، بسبب ايديولوجيتها القوموية والإسلامية رغم زعمها الديمقراطية والتعددية، وعليه، كل الحديث عن الانفتاح على الكرد وقضيتهم، ليس أكثر من محاولات حثيثة للحصول على أصواتهم في الانتخابات، وفي هذا الموقف لا يختلف موقف المعارضة كثيراً عن موقف أردوغان، رغم أن المعارضة قد لا تنجح في إخراج أردوغان من الحكم في الانتخابات المقبلة، ما لم تتحالف مع حزب الشعوب، ولعل ما يزيد من تأكيد القصور السياسي في فهم المعارضة التركية للقضية الكردية، هو فقدانها المبادرة الواضحة والشجاعة إزاء هذه القضية، بوصفها قضية الديمقراطية في تركيا، وبوصف هذه الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة لوضع نهاية لحكم الحزب الواحد في تركيا بعد عقدين من الحكم الشمولي لحزب العدالة والتنمية.     

في الواقع، محاولات أردوغان إحضار خط إيميرالي مع إضافة خط أدرنه إليه، لن تكون نتيجته أفضل من نتائج انتخابات عام 2019، فالتناقض بين تصريحاته عن الانفتاح في الوقت الذي يستمر في حربه الدموية باسم مكافحة الإرهاب، يفضح لعبته التي باتت مكشوفة للجميع، وبين نفاق أردوغان والحسابات الضيقة للمعارضة، يقف حزب الشعوب على أرضية صلبة، يقول للنظام والمعارضة معاً، أنا هنا، ومن يريد حل القضية الكردية ويحقق الديمقراطية، فأهلاً وسهلاً، ولكن على أساس برنامج عملي يقوم على التوافق وإجراء تغييرات سياسية، ودستورية، وإصلاحات حقيقية، إذ أن لسان حاله يقول لأردوغان والمعارضة معاً: يكفي التعامل مع الكرد كصندوق انتخابي، وحان الوقت لحل سياسي يقوم على الوعي بالقضية الكردية كحقيقة تاريخية واجتماعية وجغرافية، وكضرورة لا بد منها لدولة المستقبل التي يمكن أن يتعايش فيها الجميع على أساس التعددية، والحقوق، والمشاركة في الحياة العامة، ورسم المستقبل.