غرفة الأخبار ـ نورث برس
بعد شهرين ينتهي التفويض الأممي المعمول به في آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وسط تخوفات من احتمالية عدم التمديد، بسبب تحول القرار إلى ما يشبه البازار السياسي بين روسيا والغرب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
ومنذ 2011، تشرف الأمم المتحدة سنوياً على ما بين مليارين إلى أربعة مليارات دولار من المساعدات الإنسانية، تمرّ عبر مئات من الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية المدعومة دوليا.
وتحوّل ملف المساعدات الإنسانية الأممية الخاص بسوريا منذ عام 2018 إلى بازار سياسي بين روسيا والغرب برئاسة الولايات المتحدة.
وارتأت موسكو حينها، وذلك بعد سيطرة الحكومة السورية على أكثر من 70 بالمئة، بحسب تصريحات لمسؤولين روس، أن ذلك يحتم حصول دمشق على مساعدات أممية أكثر مما جرى التوافق عليه عام 2014، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي (2165)، وأن تكون دمشق البوابة الرئيسة لدخول المساعدات بدلاً من المعابر الحدودية الأربعة (معبر اليعربية ، باب السلام، درعا، باب الهوى).
القرار (2165)
وأصدر مجلس الأمن في الرابع عشر من تموز/ يوليو عام 2014 بالإجماع القرار (2165)، وذلك بعد التدهور السريع للوضع الإنساني في سوريا.
وأكّدت الفقرة الثانية من القرار على أن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة يُؤذن لها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية الأربعة، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سورية، مع إخطار السلطات السورية بذلك.
وجاء في الفقرة الثالثة، إنشاء آلية رصد تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، تراقب، بموافقة البلدان المعنية المجاورة لسورية، تحميل جميع شحنات الإغاثة الإنسانية.
لكن رؤية الفاعلين الدوليين له ظلت مختلفة: نظرت روسيا، منذ البداية، إلى الآلية الأممية لتقديم المساعدات على أنها مؤقتة، لأنها تنتهك القانون الدولي، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 26/ 182 الصادر عام 1991.
ويشترط ذلك القرار أن تقدّم المساعدات بموافقة ونداء من البلد المتضرّر، وعلى أساس احترام سيادته وسلامة أراضيه ووحدته الوطنية.
ومن ناحية أخرى، شكّلت المساعدات الأممية أحد المصادر الرئيسية لإيرادات الاقتصاد السوري، سواء في مناطق المعارضة أو المناطق التي تسيطر عليها دمشق.
تلميح بإلغاء الآلية
وفي تموز/ يوليو الماضي، لمحت روسيا، لرغبتها بإلغاء آلية إيصال المساعدات عبر الحدود لسوريا، بعد أسبوع من إعلان مجلس الأمن الدولي الموافقة على الآلية.
وفي الثاني عشر من الشهر ذاته، وافق مجلس الأمن الدولي، على تمديد آلية إيصال المساعدات الأممية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة ستة أشهر.
وحظي قرار تمديد الآلية على إجماع الدول حيث صوتت 12 دولة على القرار، مع امتناع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا عن التصويت.
وجاء التلميح الروسي على لسان يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي في إفادة صحفية لوكالة “نوفوستي” الروسية.
وأضاف: “نعتقد أن الآلية العابرة للحدود هي إجراء مؤقت وطارئ يجب إلغاؤه”، فيما وصف تأييد روسيا لقرار مجلس الأمن حول تمديد الآلية لمدة ستة أشهر بـ”الحل الوسط”.
وعلل يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، مطالبة بلاده بإنهاء عمل الآلية، بأنه “ينتهك القانون الإنساني الدولي، والأهم من ذلك أنه ينتهك سيادة سوريا”.
كما اتهمت وزارة الخارجية الروسية، الدول الغربية بـ”تسييس” ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
وقالت الخارجية الروسية في بيان، تعليقاً على قرار مجلس الأمن إن “القرار الأممي يجدد التأكيد على الحاجة الملحة لتوسيع الوصول الداخلي من دمشق إلى جميع أنحاء البلاد وتكثيف المشاريع من أجل إعادة إعمار البنية التحتية المدنية بشكل سريع وتخفيف العقوبات أحادية الجانب ضد سوريا”.
ولكن بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فإن “الحكومة السورية غير قادرة أو غير راغبة في الوفاء بالتزاماته الإنسانية تجاه الشعب السوري من خلال تجاهل عمليات الإغاثة الأممية وتأخيرها، وبالتالي، لا يمكن وضع الشمال السوري برمته تحت رحمة دمشق”.
مراحل تمديد الآلية
واستمرّ إدخال المساعدات الأممية إلى سوريا من المعابر الحدودية الأربعة حتى عام 2020، وخلال السنوات الست بين عامي 2014 و2019، جرى تمديد الآلية الأممية وفقاً للقرارات الدولية: (2191) لعام 2014، و(2258) و(2332) لعام 2016، و(2393) لعام 2017، و(2449) لعام 2018.
وفي مطلع عام 2020، صوّتت روسيا والصين ضد مشروع تمديد العمل بالآلية الأممية السابقة.
وفي العاشر من كانون الثاني/ يناير 2020، صدر القرار الدولي رقم (2504)، ونص على تخفيض عدد المعابر الحدودية من أربعة إلى اثنين، هما باب السلام ـ باب الهوى، ستة أشهر، يجري تجديدها وفق اجتماع خاص لمجلس الأمن.
ولم يؤثر إغلاق معبر الرمثا ـ درعا على الحدود الأردنية على الوضع الإنساني، فحجم المساعدات الأممية عبره ضئيل.
لكن كان لإغلاق معبر اليعربية، على الحدود العراقية تأثير كبير، إذ إن 40% من جميع الإمدادات الطبية والجراحية والصحية، إلى جانب إمدادات المياه والصرف الصحي، تصل إلى مناطق شمال شرقي سوريا عبر هذا المعبر.
معبر واحد
وفي تموز/ يوليو عام 2020، استخدمت روسيا حق النقض ضد مرور المساعدات الإنسانية من معبري باب الهوى وباب السلامة، نتج عنه القرار (2533)، الذي نص في مادته الثانية “يقرّر مجلس الأمن الدولي تجديد الإجراءات التي أقرّها في الفقرتين الثانية والثالثة من قراره (2165) لعام 2014، لمدة اثني عشر شهراً، أي حتى العاشر من تموز/ يوليو 2021، باستثناء معابر الرمثا واليعربية وباب السلام”.
وبذلك اقتصرت الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سوريا عبر معبر واحد وهو باب الهوى في إدلب على الحدود مع تركيا.
وفي التاسع من تموز/ يوليو عام 2021، تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً جديداً بشأن سوريا حمل الرقم (2585)، يقضي بتمديد التفويض الممنوح لآلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود ستة أشهر قابلة للتمديد ستة أشهر أخرى.
ولكن القرار اشترط حينها أن يقدّم الأمين العام للأمم المتحدة بعد مرور ستة أشهر تقريراً يتضمّن إحراز تقدم في وصول المساعدات عبر الخطوط لتلبية الاحتياجات.
وفي الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير 2022، أعلنت الأمم المتحدة، في بيان مقتضب، أن تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسوريا بدون تصريح من حكومة دمشق يظل ضرورياً لمساعدة السوريين، وذلك مع تمديد الإجراء بحكم الأمر الواقع ستة أشهر بدون تصويت جديد في مجلس الأمن.
وبعد انتهاء المدة وبالتحديد في العاشر من تموز/ يوليو الحالي، انتهى موعد العمل بالآلية الأممية لإدخال المساعدات، قبل أن يصل أعضاء مجلس الأمن الـ 15 إلى اتفاق، في ظل إصرار أميركي غربي على تمديد الآلية 12 شهراً.
ولاقى ذلك إصراراً روسياً على تمديدها ستة أشهر فقط، قابلة للتجديد. ولكن، بعد يوم من انتهاء العمل بالآلية الأممية، توافق الأعضاء الـ 15 في مجلس الأمن على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا ستة أشهر.
وينص الاتفاق على أن تستأنف الأمم المتحدة استخدام معبر باب الهوى، الممر الوحيد الذي يمكن أن تنقل من خلاله مساعدات الأمم المتحدة إلى المدنيين بدون المرور في المناطق التي تسيطر عليها دمشق.
ويدعو الاتفاق إلى تقديم تقرير خاص إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الاحتياجات الإنسانية بحلول العاشر من كانون الأول/ ديسمبر حدّا أقصى، ويطلب منه رفع تقرير منتظم كل شهرين عن الآلية عبر الحدود، وعن تلك التي تلحظ إيصال مساعدة إنسانية انطلاقا من دمشق عبر خطوط التماس.