أمران أحلاهما مر.. خيارات نازح من دير الزور

الحسكة- نورث برس

في مشهد يختزل الوضع الإنساني المرير الذي يعانيه الفارون من منازلهم، يسرع النازح الخمسيني في خطواته للوصول إلى خيمته وسط عاصفة هوائية تحمل رمالاً وأكياساً وصناديق كرتونية وترتطم بكل ما تصدفه في طريقها.

وبعد وصوله إليها، وجد أحمد علي (51 عاماً) خيمته ممزقة بشكلٍ جزئي وتحطمت أعمدة كانت تتكئ عليها بفعل الرياح، يقول: “حسبي الله ونعم الوكيل”.

وبينما يعيد نصب خيمته بعدما توقفت العاصفة يضيف بلهجته المحلية، “يلي يدفع الثمن هو النازح وضعنا مأساوي، لو في أفضل من المخيم ما ضلينا هون ولو عندنا إمكانية لطلعنا لغير بلد”.

وتحت الخيمة التي تبدو أنها لن تصمد مرة أخرى أمام الرياح، يروي النازح من دير الزور ذكرياته المؤلمة عن الحرب التي ألقته مع عائلته في مخيم العريشة جنوبي الحسكة عام 2017.

كان ذلك في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 عندما اشتد القصف الحكومي على مناطق بدير الزور لطرد تنظيم الدولة الإسلامية(داعش)، حينها لم تكن فكرة ترك المنزل تراود “علي” إلى أن قصفت طائرة منزل أحد أقاربه، لم ينجو منهم سوى أربعة أفراد من أصل 13 فرداً.

يتذكر النازح ذلك اليوم المؤلم بكل تفاصيله، كان وقت أذان صلاة الفجر حينما قصفت الطائرة منزل قريبه، “الأب لقيناه في الطابق الثاني للبناية، زوجته وأحد أطفاله لاقيناهم بمنزل مجاور، كانوا ميتين، الولاد كانوا مقطعين”.

يتوقف برهة عن الحديث وتبدو من ملامحه أنه يجد صعوبة في استكمال سرد قساوة تلك المشاهد، فينتقل إلى تفاصيل قصف آخر حصل في اليوم الآخر ولم يكن أقل إيلاماً من سابقه، حيث حصد أرواح ثلاثة أطفال آخرين.

حينها لم يبقَ خيار أمام الرجل الخمسيني سوى الفرار بعائلته خارج دير الزور، “كان صعب تترك بيتك وشغلك وأرضك ولكن ما كان بي خيار ثاني”.

“كنا نريد خيمة بس”

كانت الوجهة منطقة الجزيرة السورية، اتجه “علي” بعائلته إلى مخيم العريشة ولكن ولتأخر انتهاء إجراءات الدخول، قضت العائلة ثلاثة أيام بليالها ينامون تحت السيارات في الطرق.

بخنقة يتذكر تلك الأيام، “كان كل أملنا نستلم خيمة، ماكنا نريد غير خيمة تأويني أنا وعائلتي”.

تحولت الخيمة إلى غرفة معيشة ونوم ومطبخ وحمام لعائلته، فيما شردت الحرب باقي إخوته وألقت كل واحد منهم في مكان، “تشردت عائلتي بالكامل، إخوتي  كل واحد صار بديرة”.

ويقطن في مخيم العريشة الذي أنشئ عام 2016، آلاف العائلات النازحة التي تنحدر من مناطق مختلفة من دير الزور والمربع الأمني في الحسكة الواقع تحت سيطرة القوات الحكومية، بالإضافة لنازحي مخيم مبروكة الذي تم إخلائه عام 2019 أثناء الهجوم التركي على سري كانيه.

كان المخيم تدعمه المنظمة السامية لشؤون اللاجئين وبعض المنظمات الدولية الأخرى، ولكن بعد إغلاق معبر اليعربية (تل كوجر) في منتصف عام 2020، بدأت الأوضاع الإنسانية تسوء في المخيم، إذ أن معظم المساعدات كانت تصل للنازحين من المعبر.

وحالياً يعاني النازحون نقصاً في المساعدات الإنسانية مقارنة بأعداد سكان المخيم، بالإضافة إلى أنه معظم الخيم مهترئة تتسرب إليها مياه الأمطار شتاء.

يصف “علي” حالهم بعد انقطاع الدعم، بأنه “مأساوي، ما نعرف وين نروح”.

مستقبل مجهول

وبسبب ما قاساه خلال أعوام مضت، يقلق النازح من حلول الشتاء الذي بات على الأبواب، فمع أولى الهطولات المطرية تبدأ المياه بالتسرب إلى الخيم، ناهيك عن أن بعضها تتضرر وتتمزق بفعل العواصف الهوائية.

وأمام هذا الواقع المرير، يجد النازحون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما أمر من الآخر، فإما البقاء في المخيم وتحمل الوضع أو العودة إلى مناطقهم الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية وتتواجد فيها فصائل موالية لإيران.

ولا يتمكن الرجل رغم مرور سنوات على نزوحه، من التأقلم مع مسكنه الثاني ويأمل بالعودة لمنزله ولكن مخاوفه من الاعتقال وانتساب أطفاله إلى الفصائل الموالية لإيران يمنعه من العودة.

كما أن منزله مدمر بشكل كلي ومحتوياته سرقت في حملة تعفيش قامت بها القوات الحكومية في المنطقة بعد إعادة فرض سيطرتها عليها وطرد تنظيم “داعش” منها، وفقاً لما يذكره النازح لنورث برس.

لكن وضعه الحالي في المخيم يقلقه أكثر، حيث لا مستقبل لأطفاله الذين هم في سن الدراسة، “لا مستقبل لهم هنا في هذه الخيمة”.

يتمنى الرجل أن تحل الأزمة ليعود إلى مسقط رأسه، ولكنه يبدو أن ذلك ليس في القريب العاجل مع سعي إيران لعسكرة البالغين والأطفال في فصائلها ونشر ثقافة التشيع بوسائل وأساليب مختلفة، بهدف زيادة تغلغلها شرقي البلاد، بحسب شهادات سكان في دير الزور.

وبعد خمس سنوات من النزوح، يأمل “علي” أن تتدخل الدول الأوروبية والأمم المتحدة لإيجاد حل لأزمة بلاده حتى يتمكن من العودة إلى مسقط رأسه.

يتساءل: “وين الدول الأوروبية وين دول العالم؟ لو ينضرب حيوان بأوروبا تقوم الساعة وما تقعد. أما ينقتل سوري فعادي! الشعب السوري كل هالقد رخيص عند دول العالم والدول العربية؟”.

 إعداد وتحرير: سوزدار محمد