بائع لحم رؤوس الغنم في الرقة.. /15/ عاماً بمدينةٍ حوّلها تنظيم “الدولة” لمعقل قطع رؤوس البشر

الرقة- مصطفى الخليل-NPA
أمام عربةٍ صغيرةٍ مزدانةٍ بأضواء ملونة، وفي مدينة شهدت قطع العشرات من رؤوس البشر، من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر على المدينة وحوّلها لمعقلٍ رئيسيٍ له عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، يقف أحمد جديد، البالغ من العمر /26/ عاماً، بموعدٍ ثابتٍ منذ /15/ عاماً من الساعة السادسة مساءً حتى الواحدة بعد منتصف الليل، شرقي برج الساعة، وسط مدينة الرقة، ليبيع صندويشات لحم رؤوس الغنم والخراف.
الموقع الجغرافي وعنوان بائع صندويشات الرؤوس في الرقة، لم يطرأ عليه أي تبدل، رغم تبدل كل المتغيرات التي عصفت بالمدينة.
أحمد الذي ينتظر زبائنه كل يوم، اتخذ من برج الساعة مكاناً له، هذا البناء الذي يتوسط مدينة الرقة، ويُعتبر من أكثر الأماكن حيويةً، إذ يشهد ازدحاماً كبيراً وخاصةً في ساعات النهار، كونه دوارٌ إجباريٌ للتنقل ما بين أحياء المدينة القديمة وأسواقها الحديثة.
وشهد أحمد أثناء عمله، قصف الطائرات الحربية لبناء البريد القديم، ومبنى الإطفائية، وتهدُّم بناء المركز الثقافي المطل على برج الساعة من الجهة الجنوبية.

"سر المهنة"
حوادث قطع الرؤوس البشرية، وبتر الأعضاء، وعقوبات الجلد، التي كان يقوم بها عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أثناء سيطرتهم على الرقة، فلها قصة أخرى؛ فهي محور أحاديث زبائن أحمد عشية كل يومٍ من تلك الأيام، وكلٌ منهم ينتظر دوره للحصول على مطلبه من الصندويش.
المهنة التي اكتسبها أحمد من والده المتحدر من مدينة الباب، شمالي حلب، والتي ظل الوالد يعمل بها طيلة نصف قرنٍ، ليقوم ولده أحمد بتعليمها لابنه، لتبقى هذه العائلة هي الوحيدة المستمرة بهذه المهنة رغم محاولات الكثيرين العمل بها
ويتحفّظ أحمد كثيراً، أثناء حديثه مع "نورث برس" في الرقة، عن أسرار المهنة، واصفاً إياها بأنّها "مهنةٌ متعبةٌ جداً؛ فهي تحتاج إلى صبرٍ وإلى عددٍ من الأخوة متكاتفين مع بعضهم البعض"، على حدِّ تعبيره المقتضب جداً.
إذ يقوم أحمد، وأخوته منذ ساعات الصباح الأولى بالذهاب إلى المسلخ البلدي، الواقع في الجهة الشرقية من مدينة الرقة، لشراء رؤوس الذبائح من الأغنام والخراف، ويتم تنظيفها وسلخها، ثم طهيها وتحضيرها في المنزل، استعداداً لعرضها في عربته الصغيرة ثم بيعها على شكل صندويش مساءً.
زبائن أحمد من الرجال والنساء والكبار والصغار، وتربطه بالكثيرين منهم علاقة مودةٍ وصلت لدرجة الصداقة، البعض منهم هاجر خارج البلاد نتيجة الأوضاع، ويرسلون له مع أصدقائهم أمانيهم بالعودة إلى الرقة، وتناول صندويشة رؤوسٍ، من صاحب العربة ذات الأضواء الخافتة.
بائع لحم الرؤوس اضطر للفرار بنفسه وعائلته، عندما اشتدت الحرب في الرقة، ما بين عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، حاله كحال غيره من سكان الرقة.
فيما مضى به البحث عن الأمان خارج مدينة الرقة التي لازمها عمراً، إلى مدينة الطبقة، الواقعة على بعد نحو /52/ كلم إلى الغرب من مدينة الرقة.
عمل أحمد هناك أيضاً بمهنته، بائعاً لصندويشات لحم الرؤوس، مشيراً إلى أنّه من خلال عمله في الطبقة أيضاً اكتسب سمعةً جيدةً لدى الناس.
فيما عاني الشاب أحمد بعد انتهاء الحرب في الرقة، وعودة الأهالي إليها، من ضعف الحركة التجارية فيها، منوهاً إلى أنّ "الأوضاع الاقتصادية في الوقت الحالي جيدة، والأسواق تشهد حركة نشطة".
ويتحدّث أحمد عن أطرف المواقف التي تواجهه مع بعض زبائنه قائلاً "عندما يسألني أحدهم، مالا عندك مخ؟ أقول له ليش ناقصك مخ مثلاً".

"أكلة رجال"
ويعتبر محمد الجرداوي/27/ عاماً، من مدينة الرقة، أنّ أكلة صندويشات الرؤوس "أكلة رجال"، على حدّ تعبيره.
ويضيف الجردواي  أنّه كلما صادف مروره بالقرب من برج الساعة في الرقة، لا بُدَّ وأن يأكل صندويشة رؤوس، مفضلاً إياها على أكلة الكباب التي تشتهر بها مدينة الرقة.
من جانبه يقول علي المحمد، البالغ من العمر /32/ سنة، والذي يعمل فلاحاً من مزرعة الرشيد، على بعد /42/ كلم غربي مدينة الرقة "جئت من قريتي قاطعاً كل هذه المسافة من أجل أن آكل صندويشة لحم رؤوس".
ويضيف المحمد "صار لي مدة عشر سنوات، وأنا أداوم باستمرار على أكل الصندويشات عند صاحب هذه العربة"، متمنياً أن يستمر أحمد، في عمله، ليبقى يقدم هذه الأكلة للزبائن.
أحمد لا يزال يقطع رؤوس الماشية، ليقدمها لزبائنه، فيما زبائنه الدائمون يتجاذبون أحاديثهم بتهكمٍ وسخريةٍ حول زمن قطع الرؤوس البشرية، وبين هذا وذاك لا تزال الرقة تحاول تنشطة أسواقها لتحظى بمزيدٍ من الاستقرار بعد سنواتٍ من التبدلات والحرب.