دمشق ـ نورث برس
تراجعت نسبة الحوالات من المغتربين السوريين في أوروبا إلى سوريا من 5 إلى 2 مليون يورو شهرياً، عن طريق المكاتب المرخصة من قبل الحكومة السورية, وذلك بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي.
وقال اقتصادي لنورث برس، إنه لغاية كانون الأول/ سبتمبر المقبل، ستخسر سوريا من حوالاتها أكثر من 80% نتيجة ارتفاع تكاليف الحياة في أوروبا الناتج عن نقص مواد الطاقة وتوقف روسيا عن ضخ الغاز لأوروبا, الأمر الذي يزيد أعباء الاقتصاد السوري المأزوم أصلاً.
فقدان وظائفهم
ويضيف المصدر الذي لم يرد كشف هويته أنه لا يوجد رقم دقيق لحجم التحويلات إلى سوريا، لأن أكثرها يصل بطرق غير شرعية.
ويشير صناعي سوري عاد من زيارة إلى أوروبا، إلى أن واقع المعامل ليس بأفضل حالاته في دول أوروبا, وأن هنالك أصحاب معامل في حالة إضراب كما في فرنسا وألمانيا لنقص الطاقة.
وأشار لنورث برس، أن هذا يعني الاستغناء عن الكثير من العمالة, والجميع يعلم أنهم لن يستغنوا عن العامل الأوروبي، بينما الخاسر الأول سيكون العمالة الأجنبية والسوريين من بينهم, وكل هذا سينتهي بخسارة المبالغ التي كانوا يحولونها.
وأشار إعلامي سوري في ألمانيا، إلى أن معظم السوريين المقيمين في أوروبا هم من فئة العمال يتقاضون أجوراً تتراوح بين 1500-2000 يورو.
وأنه بعد ارتفاع تكاليف الطاقة بنوعيها التدفئة والكهرباء إلى نسبة كبيرة تقلص المبلغ الذي كانوا يحولونه إلى ذويهم, حيث كان أغلبهم يستطيع تحويل 200 يورو في الشهر ولكن مع ارتفاع الأسعار الذي اجتاح أوروبا وارتفاع نسبة التضخم أصبح الفائض من أجور العمالة السورية أقل بكثير, يضاف لهذا ارتفاع تكاليف الإيجار التي أصبحت تلتهم غالبية دخولهم.
وبين الصحفي أن تأثير ارتفاع الأسعار على التحويلات لا يقتصر على تحويلات العمال بل يتعداها إلى الأطباء أيضاً الذين انخفضت تحويلاتهم من 300 يورو إلى 100 يورو شهرياً.
ويأتي هذا الحال بالتزامن مع إعادة آلاف الأسر السورية من لبنان، وبين خبير مصرفي لنورث برس، أن “هذا سيزيد من نقص الدولار لدى الحكومة السورية، خاصة إذا ما علمنا أن كل أسرة كانت تحول ما معدله 100 دولار شهرياً إلى داخل سوريا”.
وأشار المهاجر أحمد اللولو لنورث برس، أن التحويلات إلى سوريا “تخسر الكثير من قيمتها بسبب شروط التحويل حيث تحصل تركيا ولبنان على نسبة لا يستهان بها من قيمة الحوالات, التي تعود لتدخل سوريا بالليرة السورية وليس بالدولار”.
وأرجع “اللولو” ذلك إلى سببين، “الأول هو العقوبات الاقتصادية على سوريا, والثاني هو التهرب من التحويل عن طريق الجهات الرسمية، لأن التسعيرة الرسمية للعملات الأجنبية أقل من سعر السوق”.
لمن الأولوية؟
أضافت المهاجرة غادة البني في ألمانيا، لنورث برس، أن ارتفاع الأسعار في أوروبا عموماً يتسبب بمشاكل يومية في الحياة هنالك، حيث تقدر ارتفاع الأسعار بنحو 30%.
وبينت أنه من خلال اطلاعها على واقع السوريين هنالك تسمع دائماً عن المشاكل التي بدأت تنشب بين الأزواج بسبب موضوع الحوالات ورغبة كل طرف منهم بأن يكون المبلغ المحدود الذي سيحولونه لأهله.
وأشارت إلى أن هنالك نساء كثيرات يشتكين عدم السماح لهن بإرسال حوالات مالية إلى أهاليهم في سوريا.
وأضافت “البني” أن الذين يعملون “يقع عليهم الضغط الأكبر لأنه يفترض بهم تحمل أي عبء اقتصادي جديد لوحدهم كزيادة إيجارات بيوتهم مثلاً”، لذلك تكثر بينهم الخلافات حول مسألة الحوالات المالية وكيفية تقسيمها بين أهل الزوجين.
ولفتت إلى أن اضطرار الغالبية لتخفيض قيمة الحوالات إلى سوريا نتيجة ارتفاع الأسعار في ألمانيا، ولكن أخبار صعوبة الحياة في سوريا تجعلهم يقتطعون عن أنفسهم لتحويلها إلى أهلهم.
وأضافت “البني” أن ما يؤسف في موضوع التحويلات، أنها لا تحقق مبدأ “تعليم الصيد وليس تقديم السمكة”, حيث أن كل ما يتم تحويله يذهب للإنفاق على الحاجات الأساسية, بينما لو تمكن من تصلهم هذه الحوالات من توظيفها بمشاريع صغيرة تولد دخلاً لهم لكان الوضع أفضل للمهاجرين وأهلهم في الداخل.
بعد كورونا
وفي تصريح لنورث برس، قال مختص اقتصادي، إن الحرب الأوكرانية أعقبت مشاكل الاقتصادات مع كورونا, حيث لم تكد اقتصادات العالم تتعافى حتى جاءت المشاكل الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
ونتج عن هذا ارتفاع أسعار الغذاء, متمثلة بأسعار الحبوب كالقمح وزيت عباد الشمس، وزيادة أسعار مواد الطاقة إلى مستويات قياسية.
ويقدر الباحث حجم التضخم الاقتصادي بما لا يقل عن 9% وهذا نتج عنه تآكل في قيمة الدخول وإضعاف الطلب، وكل ذلك سيؤدي لتراجع تحويلات المغتربين العرب في الخارج، والتي كانت شهدت مستويات قياسية قبل جائحة كورونا.