فنّان سوري في أربيل يرسم قصة اللجوء السورية

أربيل- نورث برس

في مرسمه الصغير، تُظهر لوحاته مدى تأثّره بأحداث وطنه الذي لم يتعافَ بعد من أهوال الحرب التي عصفت به منذ أكثر من عقد من الزمن، في إحداها تغطي امرأة عجوز وجهها الغارق في الحزن بكلتا يديها، بجانبها لوحتان أخريتان تبدوان أنهما تتجرعان ذات المرارة.

امرأة أخرى تظهر في لوحة ثانية، تحتضن بقوة ثلاثة أطفال يبكون، في تصوير ينقل مخاوفهم من الحرب، فيما لوحة “آلان كردي” الذي انتشرت صوره غارقاً على أحد الشواطئ التركية عام 2012، عجز صاحبها عن إكمالها فرسم الطفل بدون بحر.

يقول بشير بينما يرسم على مساحة بيضاء خطوط وجه رجل، “عندما اقتربت من إنهاء رسم لوحة آلان، عجزت عن رسم البحر وتلوينه بالأزرق، البحر أضحى بالنسبة لي مارداً ابتلع أرواح المهاجرين السوريين”.

حمل الفنّان التشكيلي السوري بشير مُسلم، ذكرياته المؤلمة من الحرب حينما غادر البلاد، حتى أنه بات يرسم لا شعورياً الملامح السورية المرهقة من الحرب التي تأبى أن تضع أوزارها.

في مدينة أربيل، بإقليم كردستان العراق، يستقر “مسلم” الشاب الذي ينحدر من ريف مدينة كوباني، شمالي سوريا، بعد رحلة لجوء قاسية أجبرته عليها الحرب عام 2012.

على ضفاف الفرات حينما كان يستقر في الرقة، بدأت موهبة “مسلم”، الرسم بالطين لمجسّمات لقريته الصغيرة وحصل في الصف السادس الإبتدائي على المركز الثاني لأفضل لوحة فنيّة في الرقة.

وبحكم أنه كان مكتوم القيد، ألقته الحكومة السورية خارج مدارسها بعدما أنهى دراسة الصف السادس، وأجبرته الظروف المعيشية الصعبة لعائلته على العمل في سن مبكرة لمساعدة والدته في المصروف بعدما فقد والده الحياة.

رغم ذلك كان الشاب يخصص لنفسه وقتاً لممارسة هوايته، إلى أن تعرف على فنان تشكيلي من الرقة عرفه على فنانيين آخرين وزار معه مراسمهم.

شارك “مسلم” لأول مرة في معرض فني في الرقة عام 1995، ضم حينها نخبة من الفنانين السوريين وآخرين من دول عربية وأجنبية، كان حينها الأصغر سناً من بين المشاركين.

تتالت بعدها مشاركة الشاب في عدة معارض فنية في الرقة، إلى أن تمكن من إقامة معرض فردي عام 2010.

مع صول الحرب إلى الرقة عام 2012، هاجر الشاب السوري مع عائلته إلى تركيا، يقول: “هربت من بطش الحرب إلى تركيا، لكنني لم أتمكن من إيجاد عمل بسبب عدة عوامل أهمها عدم إتقاني اللغة التركية فانتقلت إلى أربيل”.

واجه الفنّان السوري، صعوبات عدة في أربيل، “عجزت أيضاً عن إيجاد عمل، لذلك حملت ريشتي وألواني وجلست في الشارع، بالقرب من قلعة أربيل، رسمت وجوه السيّاح والغرباء والحالمين، ثم بدأت أجني بعض المال”.

تحوّل مجرى حياة الفنان بعد أن عرض عليه صديقه العمل في طباعة رسومات الكتب المدرسية وقصص الأطفال، فتحسّنت ظروفه، وأنشأ مرسماً صغيراً، خصصه لرسم قصة اللجوء السورية.

يرسم “مسلم” وجوه سيدات سوريات وخطوط وجوههن ونظرات الحيرة والحزن في أعينهن.

يضيف: “أنقل عبر لوحاتي ألم كل سيدة سورية فقدت زوجها أو ابنها، خصصت جزءً من لوحاتي لتجسيد حياة الأطفال السوريين بعد الحرب وما حل بهم حيث أضحى العديد منهم يتسول في الشوارع”.

شارك “مُسلم” في العديد من المعارض الفنية الافتراضية على الإنترنت في أوروبا وآسيا، وحصد عدة شهادات تقدير وجوائز.

يطمح الفنّان السوري، لرسم الابتسامة على وجوه السوريين، يقول: “اكتفيت من رسم المعاناة والحزن، أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرسم فيه السوريين بألوان مُفرحة وأستعيد ذكريات في الرقة حين كنا نجتمع مع الفنانين التشكيليين السوريين على ضفاف الفرات”.

ويضيف: “اكتفينا من الحرب والآلام، حابب ارسم البسمة على وجوه العالم بدل الحزن”.

 إعداد: سهى كامل- تحرير: سوزدار محمد