تراجع الزراعة في اللاذقية بين معاناة المزارعين وإهمال الحكومة

اللاذقية – عليسة أحمد – NPA
لا تزال الزراعة، تحتل المكانة الأهم في ميزان الاقتصاد، ولاسيما لدولة تتعرض لحرب، أحد جوانبها اقتصادي معيشي، وعليها عقوبات تجعل من الضرورة، التوجه إلى الداخل والاعتماد على كل ما يمكن للخروج من أزمة اقتصادية في الجانب الزراعي.
هذه الأزمة دفعت المواطنين للتوجه إلى الزراعة بالدرجة الأولى، والاستفادة من كل مساحة، مهما كان صغرها لزراعتها.
صعوبات الفلاحين
وتعتبر اللاذقية كمنطقة متوسطية بمناخ وتربة مناسبة بيئة صالحة للكثير من المحاصيل كالحمضيات وهي الأكثر شهرة، يليها زراعة التبغ والزيتون وبعض أنواع الخضروات عدا عن الكثير من الأشجار المثمرة والفواكه وخاصة التفاح والكرز في مرتفعات كسب وصلنفة، والتي يمكن أن تنهض بالميزان الاقتصادي.
في حين تعاني المواسم الزراعية في اللاذقية من صعوبات جعلت من الزراعة خياراً صعباً للاعتماد عليه كوسيلة للعيش، وكسب الدخل، فالأراضي الزراعية في هذه المدينة، لم تعد تسد حاجات فلاحيها، ولا مواسمها يمكن الاكتفاء بها.
وتبدأ صعوبات الفلاح من التخطيط لزراعة الأرض، وصعوبة الحصول على الكمية المناسبة من الغراس أو البذار، وتغطيتها بالكم المناسب من المبيدات والأسمدة، لإنجاح الموسم، عدا عن مشكلة توفير المحروقات الضرورية لتشغيل الآليات الزراعية ومضخات المياه.
أيضاً أكد فلاحون في اللاذقية لـ"نورث برس" أنهم يعانون من صعوبة الاستفادة من الأساليب الحديثة في الزراعة كالري بالتنقيط، التي وإن توفرت تعتبر باهظة التكاليف، بالنسبة لفلاح لا يقدم له الدعم الذي يستحق في هذه المدينة، التي يعتبرها الجميع مقصد سياحي أكثر من منطقة زراعية، وتعتبر هموم الفلاح درجة ثانية بعد السياحة.
شكاوى دون رد
ولا تحظى الزراعة في اللاذقية بالاهتمام الكافي، إذ أن شكاوى الفلاحين في كثير من الأحيان لا تلقى أذاناً صاغية، وأيادي داعمة، تمد لها يد العون، خاصة في حال الكوارث الطبيعية الناجمة عن تقلبات المناخ أو كساد المحصول.
التعويض وفقاً للفلاحين يكون في الغالب، بسيطاً ومحدوداً ولا يعادل ربع المحصول، فمعاناة مزارعي الحمضيات مثلا كل عام مع تصريف المنتجات، لم تذكر المسؤولين بضرورة بناء معمل للعصائر أو توفير برادات لكون البرتقال ذو دورة حياة قصيرة.
وتحتاج الحمضيات لمعالجات سريعة منذ بدء القطاف، كما أن الجهات الحكومية  لا تتحمل المسؤولية مع الفلاح، أو تعمد لتوجيهه بضرورة استبدال زراعة الحمضيات بمحصول آخر لا يعتبر كمالياً.

كما يرى الفلاحون أن سعر بيع الحمضيات خاسر في كل موسم، فالسوق على نطاق واسع لتصريف الحمضيات تعتبر من أكبر العثرات التي تجعل الفلاح فريسة استغلال من قبل التجار واضطراره لبيع محصوله بأبخس الأثمان.
روايات المعاناة
يروي غسان حيدر وهو أحد فلاحي محافظة حماة، معاناته في الزراعة التي تعتبر مصدر دخل له ولأسرته، كونه غير موظف، ويقول حيدر أن الكثير من المزروعات قد تفتك بها الأمراض كمرض "الجعفيل" الذي يصيب نبتة البندورة.
ويضيف "نحتاج إلى تعقيم التربة، وهذه الطريقة التي تحتاج بدورها إلى غاز، ويد خبيرة، وهذا يعتبر مكلفاً نوعاً ما، الأمر الذي يعني خسارة المحصول عدا عن صعوبة الحصول على قرض زراعي، وما يعني جعلنا عرضة للتعامل مع أصحاب رؤوس الأموال وفوائدهم العالية."
ويعتبر"غسان" زراعة الحمضيات خاسرة كل عام ويضطر لبيع المحصول بأبخس سعر، والا سيتعرض للتلف السريع"، لذلك يفكر بإلغاء البرتقال من قائمة مزروعاته العام القادم والتحول لزراعة أخرى.
بينما محمود حسن وهو مزارع آخر، يلقي باللوم على الجهات المعنية بتطوير الزراعة في سورية، متهماً إياهم بإهمال الزراعة في اللاذقية ومزارعيها، وعدم توفير مستلزمات الزراعة والدعم وحتى التعويض.
ويشير حسن إلى أن التبغ رغم كل الصعوبات التي ترافق إنتاجه، بدءاً من زراعته وأثناء قطافه وتليها مرحلة التجفيف التي تتطلب جميعها جهود مضنية، فإن السعر لا يناسب كثيراً هذا المجهود.
حلول ناجعة
في حين لخص الخبير الزراعي "أحمد مناع" هذه المشاكل بالقول بأن "الزراعة في اللاذقية يجب أن تأخذ حيزاً أكبر من العناية والاهتمام، كونها منطقة خضراء، فيجب دعم الفلاح بالأسمدة والمبيدات منعاً لاستغلاله، إضافة لتسيير ورشات فنية من قبل وزارة الزراعة لاستطلاع أوضاع الفلاحين، والاطلاع على الأمراض المنتشرة لتوفير سبل مكافحتها قبل فتكها بالنباتات."
وأشار مناع إلى "ضرورة الرقابة على المساحين والمسؤولين عن إحصاء الأراضي، والذي قد يسهم في تقليل مخصصات الفلاح من الارشاديات والجمعيات الفلاحية، عبر إعطاء إحصائيات أٌقل من مساحة الأرض الحقيقية، عدا عن الكثير من الحلول المتعلقة بتوفيرالوقود والمياه وإقامة مهرجانات تسويقية زراعية داخلياً وخارجياً."
كما أكد على "إمكانية استثمار الأراضي المرتفعة، بإقامة مدرجات على أسس هندسية علمية، تمكن من التوسع بالزراعة، خاصة في الظروف الاستثنائية الخاصة، التي تتطلب الاستفادة من كل طرق الزراعة كالمدرجات والبيوت البلاستيكية وحتى الزراعات المنزلية."
النهوض بالقطاع الزراعي بات مطلباً للفلاحين، قبل أن يكون مطلباً للحكومة، في ظل الحصار المفروض على البلاد، وفي ظل اتساع رقعة البطالة وتزايدها بشكل أكبر، وتراجع الاهتمام بالجانب الزراعي في اللاذقية على حساب السياحة التي شغلت حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومة.