أزمة لبنان تتفاقم.. رئاسة شاغرة وحكومة ناقصة الصلاحيات وبرلمان منقسم

دمشق – نورث برس

دخل لبنان اعتباراً من يوم أمس الأحد، فراغاً سياسياً يدفع الى الوقوع في المزيد من الأزمات المتمثلة سابقاً بانهيار العملة وتداعيات تفجير بيروت وملفات اقتصادية وخدمية كبرى، بينما يجلس البرلمان لاحول ولا قوة له مكرراً لأربعة مرات على التوالي الفشل في انتخاب رئيس للبلد الموزع على طوائفه وفق توافقات سياسية.

وغادر ميشال عون، القصر الرئاسي في لبنان أمس الأحد، مع نهاية فترة ولايته التي استمرت ست سنوات دون بديل، تاركاً البلد في فراغ  يترقبه اللبنانيون بحذر في ظل إدارة حكومة تصريف أعمال بعد فشل رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات البرلمانية في 15 أيار/ مايو.

ويحذر عون وأنصاره من أن حكومة كهذه لا تملك السلطة الكاملة لإدارة البلاد، وأن أسابيع من “الفوضى الدستورية” تنتظرها.

وقبل مغادرته، أعلن عون توقيع مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة تزيد من تعقيدات المشهد السياسي في البلاد.

ورد ميقاتي بعد ذلك بوقت قصير ببيان من مكتبه قال فيه إن حكومته ستواصل أداء واجباتها وفق الدستور.

فراغ سياسي في مرحلة مالية حرجة

وبقاء منصب الرئيس شاغراً بينما البلد يديره حكومة ناقصة الصلاحيات، مع فشل البرلمان في تعيين رئيس جديد وبالتالي استحالة تشكيل حكومة جديدة مكتملة، تقلق المتعاملين مع البلد ويبقيه قيد الأزمة دون عقودات ودعم دولي بما فيه صندوق النقد الدولي.

ومنذ أن بدأ الانهيار الاقتصادي باحتجاجات على مستوى البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قاومت الطبقة السياسية في لبنان التي حكمت منذ نهاية الحرب الأهلية، الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدولي والتي يمكن أن تساعد في تأمين قروض واستثمارات بمليارات الدولارات.

في سياق ذلك، غرد خصم عون، سمير جعجع وهو رئيس حزب القوّات اللبنانيّة، وأبرز خصوم حزب الله، على حسابه على “تويتر” اليوم الاثنين، أن نظرة العالم لن تتغير تجاه لبنان إلّا في حال انتخاب رئيس يتمتع بمصداقية، داعياً الدول الخليجية والأورويبة والولايات المتحدة الاميركية عدم توقع أي خطوة إيجابية إلا في تلك الحالة.

وقال إن التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، صهر ميشال عون، وحزب الله “يحاولان تعطيل ملف انتخاب الرئيس كونه لا يناسبهم”.

وعلماً أنه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها مجلس النواب اللبناني في تعيين خلفاً لمنصب الرئيس، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي لن يكون فيها رئيس حكومة بصلاحيات كاملة.

وعقد البرلمان أربع جلسات منذ أواخر أيلول/ سبتمبر، لانتخاب رئيس لكن لم يتمكن أي مرشح من الحصول على أغلبية ثلثي الأصوات المطلوبة.

وكما في التصويتات السابقة، سيتعين على الكتل البرلمانية الاتفاق على مرشح توافقي لأعلى منصب في البلاد حيث لا يسيطر أي تحالف داخل المجلس التشريعي على مقاعد الأغلبية.

منافسة معقدة

وأبرز من يتنافسون على منصب الرئاسة هم: ميشال معوض وهو يُظهر معارضته لحزب الله أو على الأقل من المطالبين بنزع سلاحه.

ودعا معوض الكتل البرلمانية لأكثر من مرة إلى دعم ترشّحه من أجل “تغيير ميزان القوى” الذي يفرضه حزب الله.

وعلى خط الترشح  يجلس سليمان فرنجية الذي يقود حزب “المردة” ومعروف على أنه مدعوم من حزب الله، ومقرب من “النظام السوري”، رغم أنه لم يعلن ترشحه بشكل رسمي، لكنه يكرر في مقابلات صحفية استعداده لتولي المسؤولية، وقد يكون مرشحاً توافقياً بين حزب الله وتيار عون.

 لكن فرنجية يواجه اعتراضاً من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، صهر ميشال عون، وهو أيضاً مرشح للرئاسة ومقرب من حزب الله.

وغم كثافة قاعدته المسيحية، واجه ميشال عون السياسي الماروني الذي يبلغ من العمر 87 عاماً انتقادات تاريخية لدوره في الحرب الأهلية وتحالفاته المتغيرة على مدار عقود مضت، لا سيما تحالفه مع حزب الله في العقد الأخير.

كما تعرض لانتقادات مؤخراً لتهيئة صهره باسيل ليحل محله، ويلقي الكثيرون باللوم عليه في الأزمة الاقتصادية في عقود من الفساد وسوء الإدارة.

وبالمقابل، ألقى عون باللوم على خصومه السياسيين وغيرهم في الأزمة باستثناء أعضاء حزبه السياسي، قبيل مغادرته التي شهدت خلال الأسبوع الأخير توقيع اتفاقية حدودية بحرية بوساطة أمريكية مع إسرائيل تأمل بيروت أن تؤدي إلى التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.

توافقات بتدخلات خارجية

وفي لبنان يجب أن يكون الرئيس مسيحياً مارونياً ورئيس البرلمان شيعياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً. في حين ينقسم مجلس الوزراء ومقاعد الحكومة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين.

ويحتاج المرشّح للرئاسة في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً.

ومن المتوقع إن تدفع حالة عدم التوافق في الداخل على مرشح إلى تعريض البلد لضغط أو تدخل خارجي، باعتبار أن المنافسات الدولية لها دور في الأزمات المحلية في لبنان، من بينها السعودية عبر قوى سنية وإيران عبر حزب الله.

ولحزب الله وحلفائه علاقات وثيقة بإيران وحكومة دمشق بينما يتوجه خصومهم في الطائفتين المسيحية والسنية نحو الغرب ودول الخليج العربية.

ويتفق المحللون إن قضايا الحكم التي تواجهها البلاد هي سياسية وليست قانونية، باعتبار أن لبنان مبني على التوافق، فلا تخلو أية جلسة نيابية من مساومات، أي بمعنى تكتلات معقدة يعرقل تشريع كل قانون يخص نظام الحكم قد يكون من مصلحة طرف بينما يعادي آخر.

إعداد وتحرير: هوزان زبير