كيف يستفيد نظام الأسد من حرب روسيا على أوكرانيا

لا يزال عدد القتلى الهائل نتيجة الحرب السورية في ارتفاع مستمر وما زالت فظائع النظام مكشوفة، ولكن كل هذا يمنع الشرق الأوسط بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة من تطبيع العلاقات مع الأسد تحت غطاء الحرب الروسية على أوكرانيا.

إنه موسم الدبلوماسية في الشرق الأوسط، حتى بالنسبة لأكثر القادة بغضاً. فقد قام جو بايدن بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في تموز/يوليو، على عكس رغبته، نتيجة الحاجة إلى خفض أسعار النفط. ولا يزال الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون يتنافسون بشكل ميؤوس منه للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.  

تحتوي هذه التحركات الهادفة إلى إعادة التأهيل الدبلوماسي، في طياتها أمراً سيئاً للغاية” ألا وهو احتمالية إعادة إدماج أهم قاتل جماعي في هذا القرن، خلسة، والخروج بواحد من أكثر الدول المنبوذة في العالم.  

عاد هذا العقد من الزمن الذي اشتد حدة في الأشهر الأخيرة بالديكتاتور السوري بشار الأسد إلى المسار الدولي، فبعد سنوات من المقاطعة الدبلوماسية، بدأ الأسد في العام 2020 بحملة زيارات ومساعٍ خارجية لإعادة الانضمام إلى المؤسسات التي علقت عضوية سوريا بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان وارتكابه لجرائم الحرب.  

وشوهد الأسد في الآونة الأخيرة في طهران والإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى روسيا – أقرب حليف للديكتاتورية السورية. وفي إيران، التقى الأسد بالرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي، حيث تبنت وسائل الإعلام الحكومية من كلا البلدين التحسينات المبدئية في العلاقات الثنائية.  

وكانت الإمارات العربية المتحدة قد دعت الأسد إلى الرحيل في فترة ما، أما الآن، تقدم نفسها كأحد أقوى أنصاره. وبدءاً من عام 2016، قامت الإمارات العربية المتحدة بإرسال المزيد من الدبلوماسيين والمسؤولين إلى دمشق ودعت إلى إعادة قبول الأسد في المؤسسات الدولية وضغطت على العالم العربي للاعتراف بالأسد ودعم نظامه بالمال.   

كما التقى الأسد هذا العام نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، محمد بن زايد، الذي أصبح رئيساً للبلاد، وناقش الاثنان الدعم السياسي والإنساني لسوريا، بعبارة أخرى، توفير رأس المال الاقتصادي والسياسي للسماح لنظام الأسد بأخذ مكانه مرة أخرى بين الدول العربية المعترف بها.  

وقادت الإمارات حملة لرفع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وحاولت بعقد منتديات استثمارية وإنشاء صناديق لإعادة الإعمار من شأن النظام أن يستفيد منها.   

وقطعت السلطات الإماراتية شوطاً فيما يتعلق بالترويج لزيارة الأسد ولتعزيز جهود حكومتها لإعادة تأهيله، زاعمين أنه يجب قبول الأسد و”قيادته الحكيمة” في الحظيرة الدبلوماسية، ومعتقدين أنه يجب إعادة بناء سوريا تحت حكم الأسد.  

ووفقاً للبيانات الرسمية التي تعود إلى عام 2016، يعد هذا جزءاً من استراتيجية إماراتية لإبعاد الأسد عن حلفائه الإيرانيين الذين لا تتحصن قواتهم بالوكالة داخل سوريا فحسب، وإنما باتت جزءاً لا يتجزأ من بقاء النظام، بينما يقول الإماراتيون في وسائل إعلامهم الحكومية إن بإمكانهم التعامل مع إيران بشكل مباشر ومختلف عن الأسد.   

في موازاة ذلك، توددت الإمارات لدى روسيا وسط غزوها لأوكرانيا وتم الترحيب بمحمد بن زايد من قبل بوتين في موسكو مؤخراً. ويعتبر الإماراتيون إيران أقل أهمية من روسيا في سوريا استناداً إلى حقيقة أن طهران لديها عدد أقل من القوات المباشرة على الأرض وأن نفوذها بين الميليشيات الموالية للنظام أقل، وبالتالي يجب التودد إلى روسيا، في حين يمكن التعامل مع إيران بشكل أقل تفصيلاً، واستراتيجية كهذه بالكاد تضمن النجاح.   

كما شاركت تركيا في هذا المشهد، حيث شوهد حلفاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دمشق وكان هناك حديث عن اجتماع بين الأسد وأردوغان في سياق زيارات منفصلة لأوزبكستان.

تصر المصادر الدبلوماسية التركية والمحللون على أن أردوغان لن يطبع العلاقات مع الأسد أبداً، لكن ومع استمرار تغير التوازن داخل سوريا، لا سيما مع انسحاب القوات الروسية بعد غزو أوكرانيا، هناك طلب متزايد من جميع أطراف الصراع السوري لتأمين مصالحهم الخاصة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن أردوغان بنفسه عن استعداده للقاء الأسد وأن مثل هذا الاجتماع سيُعقد “عندما يحين الوقت”.  

ترغب تركيا في السيطرة على شمالي سوريا، الجانب الآخر من حدودها الجنوبية، وقد أنذرت منذ فترة طويلة بشن هجوم على المناطق الواقعة تحت سيطرة الكرد. كما يرغب الأسد في استمالة المناطق الكردية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وإدخالها في نظام تحالفه الهش، وهو نظام تأمل الإمارات العربية المتحدة في استقراره بالمال والدبلوماسية.

تركيا بحاجة إلى الاستقرار السوري حتى يتمكن أردوغان من ترحيل ملايين اللاجئين السوريين من تركيا قبل انتخاباته المقبلة في عام 2023، لكن لا يمكن لهذا الاستقرار أن يتحقق من خلال التعامل مع الأسد.  

يعتمد الأسد على المساعدة العسكرية من الخارج، والاقتصاد السوري محطم بسبب النقص المزمن وارتفاع الأسعار وسوق العمل المنهار، لذلك يستخدم الأسد الدبلوماسية في مطاردته الأموال الأجنبية.   

قد تتكشف استراتيجيته في اكتساب الشرعية قريباً وتصبح أكثر وضوحاً، فأثناء وجود الأسد في الإمارات العربية المتحدة، قيل إنه سيعبر الحدود إلى المملكة العربية السعودية لمناقشة الأزمة في لبنان، وهناك شائعة أخرى تقول إنه قد يعود إلى الساحة الدبلوماسية برحلات إلى قطر ودول الاتحاد السوفيتي السابقة.  

يتزايد الضغط على جيران سوريا لإدراج الأسد في جولات الدبلوماسية الخاصة بهم، لكن الحرب الأهلية السورية مستمرة مع تبادل مستمر لإطلاق النار على الخطوط الأمامية التي يفترض أنها مجمدة، ويتم الكشف عن الفظائع الجديدة والقديمة لنظام سجون النظام بشكل شهري تقريباً.   

اختفى مئات الآلاف من السجناء السياسيين في أرخبيل سجون النظام، ففي أيار/مايو الماضي، انتشرت شائعة مفادها أنه من المقرر إطلاق سراح العديد من السجناء وتقدم آلاف العائلات رافعين صور مفقوديهم بالتماس لإعادتهم، وتم إصدار عفو عن المئات، أما البقية، فلا زالوا يقبعون في السجون، والعديد منهم ماتوا. يصعب التحقق من عدد نزلاء السجون في سوريا، ولكن في سجن صيدنايا سيء السمعة، قدرت منظمة العفو الدولية أن النظام قد أعدم 13000 سجين.  

بلغ عدد قتلى الحرب الأهلية السورية حسب تقديرات الأمم المتحدة نصف مليون، ولكن يعتقد معظم المراقبين أن العدد أكثر من ضعف ذلك، وقدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد الضحايا المدنيين بأكثر من 300 ألف، كما استخدم النظام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين – ليس مرة أو مرتين – وإنما 349 مرة خلال الحرب وفقاً لإحصائية قام بها معهد السياسة العامة العالمي، والغالبية العظمى من جميع الضحايا المدنيين في الحرب (90٪، وفقاً لمراقبين مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان) كانت على يد نظام الأسد وحلفائه الروس.

لنضع الأخلاق جانباً للحظة واحدة، تعاني مناطق النظام السوري من حالة اقتصادية ميؤوسة، وتقدر تجارة الكبتاغون بأكثر من 5 مليارات دولار سنوياً. يستنتج المحللون أن نظام الأسد يدعم ويستفيد من تحول سوريا إلى مصدر رئيسي للمخدرات.  

إن إضفاء الشرعية على نظام الأسد الذي لا يستحقها ولم يكتسبها لن يفيد كثيراً ولن يساهم في أي شيء في الاستقرار الإقليمي. فلم يتغير النظام منذ أن تمت مقاطعته وعزله دولياً، وقام بقتل عدد لا يحصى من الناس وتواصل قتل عشرات المدنيين أسبوعياً في أراض لا تخضع لسيطرة النظام. إنه فاسد في جوهره.  

لم يبرر نظام الأسد أبداً أي تطبيع من قبل العالم العربي أو أي شخص آخر ناهيك عن عودته الكاملة من العزلة، إنها لا تفعل ذلك الآن.

المقال كتبه جيمس سنيل صحيفة هآرتس الإسرائيلية وترجمته نورث برس