دمشق ـ نورث برس
في سنوات الأمن شاع عرفٌ استثماري في سوريا، وهو أن من يريد أن يستثمر فعليه أن يشارك معه إحدى الشخصيات النافذة، وأن يدفع الكثير من المال لإنجاز مراحل المشروع.
ومن بعض ما يحصل أن صاحب المال يقدم ماله، وصاحب النفوذ يتطفل على هذا المال ويسهل على المستثمر أموره، ويجعله خارج القوانين والرقابة.
هنالك من كان يرفض هذا التزاوج والشراكة بين المسؤولين وأصحاب المال، وقد ألغيت عشرات المشاريع لهذا السبب.
ومن أشهر القصص التي حصلت قصة وكالة “مرسيدس” حيث كانت الوكالة الحصرية لسيارات مرسيدس الألمانية لعائلة ” سنقر”.
وعندما أراد رجل الأعمال الأبرز، رامي مخلوف، الحصول على هذه الوكالة أو التشارك معهم، وصل الأمر إلى حد تدخل الشركة الأم، والتهديد بالتوقف عن توريد المرسيدس إلى سوريا في حال ظل الضغط على أصحاب الوكالة، ولأن المسؤولين لم يكن بإمكانهم الاستغناء عن مرسيدس كانت الغلبة لآل سنقر.
شراكات مختلفة وزيارات للابتزاز
خلال سنوات الحرب تراجع المقبلون على الاستثمار في سوريا، وأصبحت معاناة أصحاب الفعاليات الاقتصادية من نوع ثان منها ما يتعلق بفرض إتاوات، وهذه لا تندرج إلا تحت بند “إتاوات بكل معنى الكلمة”، بحسب اقتصاديين.
يقول عضو في غرفة تجارة حمص، لنورث برس، إن طرق الجباية المتبعة “أمر منفر للغاية”، حيث أن وزارة المالية اعتمدت على “فرض ضرائب جديدة بمفعول رجعي لثلاث سنوات مضت، حتى وإن كان سبق دفعها”.
وأكد صاحب محل في دمشق، أنه دفع في 2021 مبلغ 550 ألف ليرة، وتم تبليغه بضريبة في عام 2022 بمبلغ 950 ألف ليرة، إضافة إلى مطالبته بدفع فرق العام الماضي مضافاً لذلك 13%، بما مجموعة 180 ألف ليرة قابلة للزيادة إذا اعترض، كما قال.
وإذا كانت السياسة الضريبية إحدى وسائل الحصول على الأموال، فهنالك طرق أخرى أيضاً. يقول أحد أصحاب المحلات إنه ندم على فكرة فتح مشروع بسبب التكاليف التي اضطر لدفعها دون وجه حق.
وقال إنه استأجر محلاً في عام 2017 وبعد تجهيزه وإصلاحه بالكثير من الأموال، ألغى فكرة إتمام المشروع قبل أن يبدأ بعدما توجس من كثرة زوار الجهات الرقابية وصعوبة المعاملة لاستكمال المطلوب منه.
وفي حادثة أخرى، قال صاحب محل في دمشق أيضاً لنورث برس، إنه كان عليه كل يوم أن يستقبل عناصر من التموين الذين يطلبون منه الفواتير، ويحاسبونه على الأرباح.
وأضاف: “في كل مرة يجب أن أدفع أو تسجل عليَّ العقوبة، خاصة أنني في منطقة حيوية بدمشق. قررت في النهاية تصفية محلي وعرضه للبيع، لأن هذا الإجراء أكثر جدوى من فتحه”.
وأعرب عن اعتقاده أن أي مستثمر “معرض في كل لحظة لدخول السجن وإمضاء وقت قد يطول مع المجرمين واللصوص، إذا لم يرض منه موظف التموين أو الجمارك، ولكثرة الزيارات الرقابية لن يحقق الربح المجدي اقتصادياً مع إرضائهم جمعياً”.
“إما أو“
من السلوكيات الغريبة التي شاعت مؤخراً خاصة في الساحل السوري، عملية خطف أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال وتعذيبهم حتى يدفعوا المبالغ المطلوبة منهم، وقد أكد أحد التجار في محافظة اللاذقية أنه تابع أكثر من حالة لأشخاص يعملون برأسمال كبير في الساحل تعرضوا للتشليح بهذه الطريقة.
وفي تعقيبه على ما يحدث، قال متابع للشأن الاقتصادي، إنه بقي في البلد بعض رجال الأعمال، “وطريقة العمل الحالية ستنتهي إما بتطفيشهم، أو أن يقبلوا بالشركاء في مالهم”.
وعن نتائج هذه الآلية، قال خبير اقتصادي لنورث برس، إن هذه الأساليب تسببت بخسائر اقتصادية كبيرة انتهت بالتدهور الدائم في قيمة الليرة.
وبيّن أن هنالك خطوات متعددة يجب اتخاذها “قبل أن تخسر البلد المزيد من المصانع وأصحاب الفعاليات التجارية”.
وقال إن أهم هذه الخطوات هو “تحرير الأسواق من القيود التي تكبلها”، وهذا يتطلب منع عناصر التموين والجمارك من دخول المحلات التجارية والصناعية نهائياً، وحصر عمل الجمارك على الحدود فقط.
وأضاف المصدر، أنه يجب علاج الكثير من العوائق، كمنع اعتراض نقل البضائع على الطرقات العامة، لأن هذه السلوكيات تؤثر على حركة الإنتاج والتجارة وكلها في النهاية تؤثر على الليرة السورية.
وأشار الاقتصادي إلى أن هنالك الكثير من السلوكيات التي تتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة، منها قرار البنك المركزي بتقييد حركة سحب الأموال ووصف القرار بـ”الكارثي” على الاقتصاد الوطني، إضافة لقرار تعهد التصدير.
وتساءل المصدر، “كيف يمكن أن يأتي المستثمرون إلى سوريا وهنالك قانون يجرم التعامل بالدولار؟”.
وطالب المصدر الجهات المختصة بإلغاء قرار المركزي الخاص بإلزام المستوردين بالكشف عن مصدر تمويل المستوردات بالدولار، وتسليم الحوالات الخارجية بالدولار لأصحابها.