اللاذقية – عليسة أحمد – NPA
تشتهر اللاذقية بمدينة "العواميد" لكثرة آثارها وتنوّع معالمها التي تحكي تاريخاً حافلاً من النشاطات الاقتصادية التي مرّت على إحدى أقدم المدن التي لا زالت مأهولةً، وأبرز هذه المعالم أسواقها التجارية التي بقيت بعضها نشطة إلى الآن، أهمها سوق المقبى.
سقوفٌ وقببٌ
ويُعد سوق المقبى، كما يحلو لأهل اللاذقية مناداته، من الأسواق المشهورة في المدينة، حيث اكتسب تسميته من وجود سقوفٍ وقببٍ تغطي أزقته الضيقة وشوارعه الصغيرة المرصوفة بالحجارة الصفراء القديمة، والتي تجعل للمكان نكهةً خاصةً لمَعلَمٍ تاريخيٍ يفوح منه عبق الماضي.
يشتهر السوق بتنوّع بضاعته من ملابس وأقمشة وأدوات منزلية وأكثرها هي الأحذية وبالأخص النسائية منها، يقول ياسر، أحد العاملين في السوق لـ "نورث برس"، بأنّ الناس تُقبل على ارتياد هذه المحلات لأنّها تُصنّف شعبيةً وأسعارها مقبولة وتتنوع فيها البضائع بشكل كبير، كما أنّ مظهر السوق يُحاكي الأسواق الأثرية المُقبّبة المتواجدة في باقي المدن السورية، والتي يرتادها الناس ليس فقط للتسوق بل للتذوق والاطلاع على المكان.
مداخلٌ عديدةٌ
ويُعرف سوق المقبى باسم سوق "البازار" أي المكان الذي تُعقد فيه التجارة، ويمكن الولوج إليه عبر خمس مداخل بشكلٍ يجعله يتوسط أسواق المدينة ويتداخل معها بشكل ملفتٍ، فأحد هذه المداخل يبدأ من ساحة البلدية التي يتموضع فيها بناء البلدية القديم أيام الانتداب الفرنسي والتي كانت في مرحلةٍ ما مركزاً للمحافظة وكراجاتٍ تنطلق منها الحافلات.
كما تواجه إحدى هذه البواباتِ كاتدرائية القديس جارجيوس التي تقع في سوق الذهب، وتصل السوقين مع بعضهما أما باقي المداخل فتُفضي إلى ساحة "أوغاريت" المعروفة شعبياً بساحة "السمك".
متعة التسوق
وتُعد قببه وسقوفه التي تحمي الزائر من عوامل الجو صيفاً وشتاءً عنصر جذبٍ للتسوق المريح فتقول سمر، إحدى المتسوقات إنّها تحب كثيراً ارتياد سوق المقبى ليس فقط بسبب أسعاره المعتدلة، فهي تستمتع أيضاً بالتجول والتسوق مع صديقاتها في هذا السوق المغطى الذي يحمي زواره من حرارة الشمس صيفاً ويرد الأمطار شتاء مهما بلغت غزارتها مما يجعل التسوق متاحاً في أي وقتٍ مهما كانت حالة الجو.
كان يضمُ السوق في الماضي خاناتٍ اُستخدم البعض منها لتربية المواشي والخيول وقسماً منه محلاتٍ للحرف القديمة التي لم يعد لها وجودٌ الآن مثل صنع وكوي الطرابيش وصنع البسط على النول، وكلها مهنٍ قضت عليها الحداثة وتحول الإنسان المعاصر عن استخدامها وتحولت لتراث شعبي.
ومن هذه الخانات التي عُرفت قبل حوالي ثلاثة أو أربعة قرون "خان بيت الأسطى" و"خان جلول" و"خان بيت شبان" وكلها تحولت إلى محالٍ تجاريةٍ في العصر الحالي.
حارة المسطاح
يروي الحاج "أبو ياسين" أنّه عاش في هذه المنطقة لفترة طويلة وعاصر الكثير من الأشخاص الذين قصوا له حكاية المكان بأنّ سوق المقبى الحالي كان يسمى قبل مئتي عامٍ أي حتى نهاية الوجود التركي بحارة "المسطاح"، وكانت تضم في أحد جوانبها خاناً يسمى "أبو داوود" لكن كل معالم المنطقة تغيرت مع التقدم العمراني.
ويحوي السوق الكثير من الآثار والمعالم من حمّاماتٍ وقناطر ومنازل قديمة غير معروفة ومن الصعب الاستدلال عليها بسبب الاهمال وهي في طريقها للزوال والاندثار، إذ يلاحظ الزائر أبنيةً آيلةً للتهدم أو مهجورة.
بينما هناك اهتمامٌ بإعطاء المكان نكهة الماضي، كتركيب أبواب المحلات بشكلٍ يُحاكي الماضي كعامل جذبٍ سياحيٍ وتجاريٍ للمكان.
بالتالي فإن الأسواق ومعالم الجذب السياحي تتنوّع في اللاذقية بشكل كبير ولكن الكثير منها لا ينال الاهتمام المناسب، وهي عرضةٌ للهدم والتغيير وفي طريقها إلى الزوال ما لم تتدخل الجهات المعنيّة بالأمر.