الإجابة في نكتة: كيف يرى سكَّان المناطق السورية المتجاورة بعضهم بعضاً؟

دمشق ـ نورث برس

تُطلق أحياناً للتندر، أو للتحبب، أو مهما كان سبب ذلك. هي الأسماء التي يطلقها السوريون على بعضهم بعضاً باختلاف المناطق التي ينحدرون منها، فقد أثر هذا التنوع في المجتمع السوري، وأثرى ذاكرته الجمعية بالكثير من النوادر والألقاب.

تنوع إثني ـ تنوع ثقافي

يصعب تصنيف وإحصاء التركيب العرقي والإثني في سوريا، فعدد القوميات والإثنيات التي تسكن أو (سكنت) سوريا يفوق الـ 18، ففي هذه المساحة الجغرافية التي تشغل مكاناً يُعد بوابة لآسيا وأوروبا وغيرها، كان التقاء كل هذا التنوع طبيعيّاً، حيث سكن البلاد عبر التاريخ الآراميون والحثيون والفينيقيون والعرب والكرد، كما عرفت الكثير من الغزاة الذين قدموا إليها واستوطنوها، كشعوب البحر وغيرهم.

لم تعرف سوريا يوماً شعباً واحداً سكنها، إذ يمكن لعابر سبيل أن يمر في غضون ساعات قليلة على تنوع مذهل من الثقافات والمجتمعات التي جاورت بعضها بعضاً عبر تاريخ سوريا الطويل، وكالعادة في كل علاقة جوار و(اختلاف) كان لا بد من أن تشوب الألقاب والنكات هذه العلاقة، كل يصيب بذلك جاره الأقرب. وتكاد لا تخلو أي منطقة سورية من هذه الظاهرة، فهناك اسم حتماً غير رسمي ومتداول ويحمل بعضاً من النكتة والغمز واللمز على منطقة مجاورة.

الشوايا

الشوايا هو تسمية متعارف عليها في سوريا وتُطلق على بعض أبناء مناطق الشمال والمنطقة الشرقية من العرب غالباً. أما أصل كلمة الشوايا بحسب ما ورد في لسان العرب لابن منظور، “الشوية: بقية قوم هلكوا والجمع شوايا”، وهم بقايا العرب الذين استوطنوا مناطق ما بين الرافدين بعد الإبادة التي تعرضوا لها على يد الغزاة المغول، وتتفق المصادر على أنهم آخر من هاجر من اليمن بعد انهيار سد مأرب.

وإذا عُدنا إلى الآرامية، اللغة السورية القديمة التي تكلم بها جيرانهم من سكان حوض الفرات والخابور من آشوريين وسريان، نجد أن كلمة شاوي آرامية من لفظة (شاويو) أي المضياف وهي الصفة التي أُطلقت عليهم لكرمهم.

كذلك، ينسب الكثيرون الكلمة إلى الفعل شوا، يشوي فهو الشاوي (اسم الفاعل) الذي يقوم بفعل الشواء.

ليست التسمية بمشكلة، إنما السياق الذي قد تُطلق به أحياناً. فكثير ما يُراد استخدام كلمة (شاوي) من باب الاستصغار أو التندر على شخص، وذلك من قبل الكثير من المجتمعات والمناطق السورية.

الجميل في الأمر، أن من تُطلق عليهم هذه التسمية لا تشكل لهم مصدر إحراج أو شعورٍ بالدونية، فهم يعرفون أنفسهم حقاً، ومستعدون لتوضيح أصل التسمية برحابة صدر تُخجل من يطلق هذه التسمية بدافع النكتة أو التنمر.

عيد المجانين وأربعاء حمص

ذاع صيت الحماصنة (نسبة إلى مدينة حمص السوريَّة) في كل أنحاء البلاد العربية بأنهم أناس يعشقون النكتة، فلا يكاد القادم يخبر أحداً بأنه من حمص إلا ويبادر بسؤاله عن آخر نكتة حمصية.

أما أشهر ما تُعرف به حمص فهو يوم الأربعاء، أو يوم الجدبة الحمصية أو عيد المجانين، أما قصة يوم الأربعاء فهناك روايات عديدة منها أنه عندما أتى عامل معاوية عمرو بن العاص حاكم سوريا وبلاد الشام إلى حمص، بقصد تسيير الجنود إلى صِفّين مستحثاً أهلها في الإسراع إلى ساحة المعركة، صادف ذلك أن كان يوم أربعاء، فقال أحد الحمصيين باسم الجميع بقصد تأجيل المسير “بإذن الله ننطلق معكم على بركة الله بعد صلاة الجمعة فنحن نحب هذه الصلاة وليس لنا رغبة في أن تفوتنا) فأجابهم عمرو: “نقيمها لكم اليوم الأربعاء بدلاً من الجمعة، فأين الضرر في ذلك؟”، فوافق الحمصيون وأقاموا صلاة الجمعة يوم الأربعاء، فقيل عندها عن الحمصيين بأنهم يعيدون في يوم الأربعاء. وفي كتاب لجورج كدر العبادات القديمة واندثر. كما أنه يجد أن لذلك صِلات بعبادة إله الشمس في القرن الثالث الميلادي والتي كانت تتم في حمص واتسمت بمظاهر مجون وصخب حتى الهذيان، وهو ما حمل كل من يمر بحمص وقتها على الاعتقاد بأن أهلها مصابون بـ”لوثة جنون”.

كما يسلط الكتاب الضوء على روايات شعبية وتاريخية تروي كيف تفادت حمص غزو تيمورلنك المغولي عبر استقبال أهلها الحافل له، وتظاهرهم بالجنون ليجنبوا المدينة الدمار. وكانت مدن الشام التي دمرها المغول تتندر بهذه الحادثة بالقول: “جدبها أهل حمص على تيمورلنك يوم الأربعاء فعفا عنهم”.

وعلى اختلاف المصادر التاريخية في ذلك، إلا أن ما بقي حتى الآن هو التصاق خفة الدم بأهل حمص. وهو ما لم يقتصر على أنه مصدر تندر لجيرانهم من أهل حماة وغيرها، بل شكل علامة فارقة جاوزت الحدود كليّاً.

السويداء: ولاد الخوثة!

لا يمكن المرور من جانب جبل العرب مرور الكرام، فإلى الجنوب من سوريا وفي منطقة جبال حوران، سكن الدروز هذه المنطقة منذ مئات السنين، عرفت ما عرفت معظم الأماكن في البلاد من حساسيات بين الجوار، وألقاب تُطلق فيما بينهم، أما أشهر ما عُرف عن سكان جبل العرب فهو لقب “ولاد الخوثة”. ولهذه التسمية ما يبررها.

عُرف سكان جبل العرب بالنخوة والشهامة وكرم الضيافة، فقد يكون دخول الضيف طوعيّاً إليهم، إلا أن خروجه وحتى اليوم ليس طوعيّاً البتة. فابن تلك المنطقة لا يمكن أن يغادر ضيفه دون أن يكون قد أكرم وفادته مأكلاً ومشرباً وحديثاً ومن كل ما له به طاقة. إلا أن سكان جبل العرب عُرفوا أيضاً بالحمية والشدة في ساحات الوغى. فقد كان لهم دوراً مؤثراً في الثورة السورية الكبرى.

لكن أن يبلغ أن يُطلق لقب “أولاد الخوثة” على جماعة لشدتهم وشراستهم في المعارك، فلذلك تفسير غريب. إذ يؤمن الموحدون بالتقمص، وبأنهم سيعودون بعد الموت، لذا لا يقف الموت عائقاً أمام إقدامهم في المعارك، فإن كان هناك عودة من الموت، لما لا يكون هذا الموت مشرفاً لترفل الحياة الثانية بالعز والكرامة.

الشامي البندوق

ربما التسمية الأكثر إحراجاً، لا سيما إن عرفنا أن الدارج في كلمة (بندوق) هو اللقيط أو وليد العلاقة غير الشرعية. لكنها تُطلق على أبناء مدينة دمشق في دلالة على حذقهم وشطارتهم.

يقال إن البندوق هو عصفور ناتج عن تزاوج كنار وحسون، حيث يقضي الصغير الناتج طفولته متلقفاً الأصوات من كل حدب وصوت، ليعيد إنتاجها بكل حرفة ومهارة.

تسميات غير بريئة


مهما حملت التسميات التي يطلقها أبناء المناطق المختلفة على بعضهم بعضاً من ظرافة أو حس الفكاهة، لكن أصلها يبقى مفتقراً للبراءة كليّاً، وما عرضناه ليس سوى غيض من فيض في منطقة تعج بالحساسيات التي غذاها انحياز السلطات المتعاقبة إلى طرف دون آخر ما أبقى الكثير من الموروث الاجتماعي القديم والمثير للحساسية دون حل، حلٌّ لو وُجد لما تجاوزت هذه التسميات حينها حدود النكتة المُلقاة بغرضها، ولا حملت كل ما تحمل من أعباء وحساسيات.

إعداد: نجوى إبراهيم