الميكانيكي المتجول.. شاب سوري لم يستسلم لإعاقته وصار قدوة لغيره

القامشلي ـ نورث برس

موقف صغير كان كفيلاً في أن يقلب حياة الشاب دحام، رأساً على عقب، ويحوله من شخص قنوطٍ يائس إلى مصدر أملٍ وقدوة لغيره.

 دحام شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولد بتشوه خلقي في ساقه وأصيب بعدها بشلل أطفالٍ، يعيش مع عائلته في ريف القامشلي.

واجه دحام في طفولته صعوبات كثيرة استسلم لها، في البداية، كما اعتكف منزله خجلاً من إصابته ووضعه الصحي.

ترك دحام المدرسة بسبب حالته المادية، وهو في الصف التاسع، ولم يستطع أن يكمل تعليمه فيما بعد.

استمر به الحال حتى مرّ بموقف غيّر نظرته للحياة، موقفٌ بدأ بعده دحام بحياة جديدة خلقها بإرادته وعزمه ومثابرته.

يقول الشاب بلهجته العامية: “رحت طلع بطاقة إعاقة من شان التسريح من الخدمة الإلزامية فلم وصلت إلى شعبة التجنيد فوتونا على مشفى المعوقين”، وهنا كانت اللحظة التي أيقظت دحام، من يأسه وألمه.

يضيف: “عندما دخلت المشفى وجدت نفسي أفضل حالاً من جميع الموجودين. في ناس كتير وضعهم أضرب من حالتي”.

وحينها قرر دحام تجاوز المرحلة التي مرَّ فيها، “كنت أذهب إلى أحد أصدقائي وهو مقرّب من العائلة وكان لديه محل “ميكانيك” لتصليح الموتورات ومولدات البتر”.

ومن باب تضييع الوقت، كان دحام يجلس لدى صديقه كل يوم ويذهب معه على دراجته النارية حتى ينتهي اليوم ليعود بعدها إلى بيته.

في هذا الوقت “كنت أراقب صديقي كيف يقوم بصيانة الموتورات والمولدات”. مع الوقت اقترح صديق دحام عليه أن يبدأ العمل معه من باب المساعدة والتسلية مقابل مبلغ بسيط.

“وافقت على الفكرة وبدأت العمل معه. كنت أذهب مع صديقي إلى تصليح أعطال المولدات في القرى”، يقول دحام.

ومع الوقت أتقن دحام عمليات الصيانة بأكمها وبدأ مشروعه الخاص، بمعدات بسيطة، وأطلق على نفسه لقب “الميكانيكي المتجول”.

ومن خلال عمله جمع دحام بعض النقود، كما ساعدته عائلته بمبلغ آخر، استطاع من خلالها الزواج، ولديه الآن أطفال صغار.

يقول دحام: ” كان لزوجتي الفضل الأكبر في دعمي. تقوم بترتيب أغراضي وعدة العمل وتجهيزها قبل أن أذهب للعمل أو حتى إن كان العمل في المنزل”.

يتواصل سكان القرى مع دحام على الموبايل، يشرحون له العطل والمشكلة في الآلية التي تحتاج للصيانة، وهو يخبرهم عن السبب وحجم المشكلة ثم يذهب إليهم.

بواسطة الموتور الخاص به، كان “الميكانيكي المتجول” يذهب لصيانه الأعطال للأشخاص القريبين عليه. لكن أصحاب الأعطال البعيدين عن منزل دحام، كانوا يصحبونه بسيارتهم أو موتوراتهم لصيانة العطل لديهم.

يقول الشاب: “هذا العمل كان متعباً لي بسبب وضعي الصحي. لكن الحمد لله تأقلمت مع الوضع وتعودت عليه بعد ممارسة المهنة ومحبتي لها”.

تلقى الشاب دعماً نفسياً من عائلته وأصدقائه ليحقق قصة نجاح ألهمت ذويي الاحتياجات الخاصة، “كثير من أصدقائي ساعدتهم، وهم الآن يعملون”.

لدحام صديق قطعت قدمه بسبب إصابة تعرض لها في أحد الأيام، كان “الميكانيكي المتجول”، دائماً ما يذهب إليه ويواسيه ويشرح له أن وضعهما الصحي متشابه.

ويخبره بأن “الحياة لن تتوقف عندي وعندك. الحياة ستسير، سواء جلسنا في المنزل أو لم نجلس، فلا أحد يعرف أين نحن”.

 ولم يكتفِ دحام بذلك، ففي كل مرة كان يذهب بها إلى صديقه يعزف فيها على وتر الأطفال والعائلة والحاجة لمعيل في ظل الظروف الصعبة.

وفعلاً تمكن دحام، من إقناع صديقه “لديه الآن دكان صغير ويعمل به ويقود دراجته النارية”.

لم تنتهِ قصة تغلب دحام على وضعه الصحي هنا، فالشاب الثلاثيني مغرم بالخيل وركوبه هو هوايته المفضلة.

يقول: “أعشق الخيل بشكل جنوني وهو بمنزلة أولادي، كنت لا أستطيع ركوبه وبالتدريج تدربت على ركوبه”.

ويضيف: “عائلتي كانت تخشى علييّ من ركوب الخيل ويحذرونني من مخاطرها ويقولون لي: إذا انكسرت رجلك الثانية رح تضطر تقعد بالأرض ووضعك الصحي في الأساس لا يسمح لك بركوبه”.

ونصحوه بأن يكتفي بالسير مع الخيل دون ركوبه، لكن دحام كان مصمماً على تحدي كل شيء يعتبر بالنسبة لوضعه الصحي مستحيل، “كنت أستطيع تحقيق كل ذلك”.

ويقول: “والآن الحمد لله أركب على الخيل وأذهب به وأعود إلى المنزل وكأنه ليس لدي أي إعاقة”.

إعداد وتحرير: قيس العبدالله