مسنّة آشورية تعيش بمفردها في قريتها بعد هجرة سكانها بسبب الحرب

تل تمر – دلسوز يوسف / جيندار عبدالقادر – NPA
"لا أشعر بالملل بسبب وحدتي، ذرةُ ترابٍ من قريتي تضاهي الدنيا بأسرها"، تقول المسنّة سميرة نيكولا، التي باتت تعيش بمفردها منذ أربع سنوات في قريتها (تل شاميران) التي أضحت فارغة من سكانها، بعد مهاجمتها من قبل تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، متأقلمةً مع حياتها الجديدة، بعد أن كان النشاط السمة البارزة لتلك القرية.
واُعتقلت المسنّة نيكولا (65) سنة، من قبل التنظيم أثناء هجماته على ريف بلدة تل تمر، وبعد قرابة السنة في المعتقل أفرج عنها، بعد أن دفعت جهاتٌ آشوريةٌ بوساطة عشائر المنطقة، فدىً ماليةً مقابل الافراج عن المعتقلين.
وعن ظروف اعتقالها، تقول المسنّة الآشورية سميرة نيكولا لـ"نورث برس": داهموا القرية صباحاً وقاموا بنقلنا إلى بلدة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، بعدها نُقلنا إلى الرقة، بقيت قرابة سنةٍ كاملةٍ في السجن، كما قتلوا ثلاثة شبانٍ آشوريين".
وتوضّح سميرة أنّ التنظيم أخبرهم عقب الاختطاف بأنّه سيعيدهم إلى القرية بعد ساعةٍ، لتضيف باستهزاء "ساعةٌ أصبحت سنةً".
وعقب الافراج عنها، عادت سميرة نيكولا إلى ديارها، بخلاف سكان القرية الذين هاجروا خوفاً من عودة التنظيم مجدداً، وهي تعيش الآن برفقة أحد أبنائها، و يدعى (نبيل) الذي يسافر غالباً بقصد العمل.
كما هاجرت اثنتان من بنات نيكولا خارج البلاد، إحداهن في استراليا والأخرى في المانيا، ورغم مناشدات بناتها لها بالسفر إليهن إلّا أنّها ترفض ترك قريتها، "من الصعب عودة بناتي إلى هنا، ومن الصعب ذهابي إليهن، بناتي هاجروا من الخوف".

"كانت الحياة جميلة"
وتعود نيكولا وهي تروي لـ"نورث برس" عن الحياة ضمن القرية، بذاكرتها إلى ما قبل الحرب، فتقول: "الحياة هنا كانت جميلةً جداً، كنا ننعم بالأمان ويخيم الهدوء على القرية، كان لنا قطعة أرضٍ نعمل بها، وأبني كان يعمل على سيارةٍ لبيع المحروقات، كنا مرتاحي البال".

ربة منزل نشيطة
ومع بقاءها بمفردها في القرية، تقضي نيكولا معظم يومها في الأعمال المنزلية، حيث زرعت في باحة منزلها الخُضار وتداوم على الاعتناء بها، "زرعت الفليفلة والباذنجان والعنب، لأوفر على نفسي عناء الذهاب إلى سوق تل تمر، إلى جانب أنني أتناول ما زرعته طازجاً".
ورغم تقدمها في السنّ، لا زالت نيكولا تستعمل حجر الرحى القديمة لطحن الحبوب لتصنع منه الخبز، تقول "غالباً لا نحصل على الخبز من الفرن الآلي أقوم بصنع الخبز بنفسي على التنور".
وفي الجانب الآخر من باحة المنزل، تحضّر السيدة نيكولا مونة الشتاء من المربيات رغم أنها تعيش بمفردها مع أبنها، وتضيف مازحة "بأستراليا وأوربا ما في مونة، كلها علب جاهزة".

"أعيش مرتاحة البال"
وعن كيفية العيش بمفردها، تقول نيكولا "لن اتضايق من العيش بمفردي في القرية، على العكس أعيش هنا مرتاحة البال، لحدّ الآن أولادي يطالبونني بالسفر إليهم، إلّا أنّني أرفض فكرة السفر كلياً، بالعكس لا أشعر بالملل بسبب وحدتي، ذرةُ ترابٍ من قريتي تضاهي الدنيا بأسرها".
وعلى الرغم من المناشدات المتكررة لعودة الآشوريين إلى ديارهم، إلّا أنّ الخوف من مستقبلٍ مجهولٍ في ظل دمار البنى التحتية، دفع المسيحيين الآشوريين للبقاء في الخارج لحين إرساء الاستقرار بالمنطقة.

الكنيسة المدمّرة
ورافقتنا السيدة نيكولا إلى مكان الكنيسة المدمّرة الواقعة على أطراف القرية، حيث كانت قد نصبت عدة قلائد معلقةً بها الصليب، في مكانٍ يوضع فيه الشموع والبخور إلى جانب أيقونة منقوشة عليها صور القديس، وتقول بأنّها تزور ذلك المكان على الدوام وتقوم بتنظيف محيطه من الحشائش اليابسة.
وتعمّد تنظيم "الدولة" لدى الدخول إلى القرى المسيحية الآشورية على ضفاف نهر الخابور، إلى تدمير الكنائس والأماكن المقدسة، منها كنيسة قرية شاميران التي سويت بالأرض.
وتعكف نيكولاي لوحدها على أحياء تقاليد أعياد الميلاد الخاصة بكنيسة القرية،  التي تجذب غالباً قلة قليلة من آشوري المنطقة، فيما تشير نيكولا بأنّها تؤدي أغلب واجباتها الدينية، مثل الصلاة في كنيسة مريم العذراء بتل تمر.
وتؤكّد أنّه رغم دمار الكنيسة إلّا أنّ وجودها الرمزي يعني لها الكثير ويشعرها بالطمأنينة.
وتعتبر قرية تل شاميران التابعة لمدينة الحسكة، واحدةً من عشرات القرى الآشورية التي استهدفها التنظيم في شمال سوريا، في شباط/ فبراير عام2015، والتي نالت النصيب الأكبر من الأضرار، حيث اختطف التنظيم /165/ شخصاً من سكان القرية، وهي النسبة الأكبر من المختطفين بين القرى المسيحية الاخرى الواقعة على ضفاف نهر الخابور غربي مدينة الحسكة، بالإضافة إلى تدمير كنيستها والعديد من المنازل.
الجدير بالذكر أنّ أبناء المكوّن الآشوري في سوريا يقطنون بكثرة في المنطقة الواقعة على ضفاف نهر الخابور بالحسكة، شمال شرقي سوريا، ويبلغ عدد قراهم /36/ قرية بريف بلدة تل تمر.