الحجاب في إيران بين الأيديولوجيا والسياسة والثورة

يعود الخلاف بشأن ارتداء الحجاب في إيران إلى نحو قرن من الزمن، إذ على خلفية هذا الخلاف، والجدل بشأنه، والاستقطاب الاجتماعي والسياسي الذي خلفه، أصدر البهلوي الأول رضا شاه عام 1936 قانوناً حظر بموجبه الحجاب، باعتباره من مظاهر تخلف المجتمع على غرار ما فعله أتاتورك في تركيا، وبسبب الاحتجاجات التي استمرت ضد هذا القانون اضطر البهلوي الثاني رضا شاه إلى إلغائه عام 1944، على اعتبار أن ارتداء الحجاب أمر يتعلق بالحرية الشخصية، وهكذا استمر الوضع إلى أن جاء الخميني إلى السلطة عام 1979 عقب الإطاحة بالشاه، لتصبح بعد ذلك قضية الحجاب قضية أيديولوجية وسياسية في المجتمع الإيراني.            

أيديولوجياً، رأى أنصار الخميني، ومن بعده الخامئني، أن قضية ارتداء الحجاب قضية دينية، وأن من مهام ولاية الفقيه العمل والسهر على دفع المجتمع إلى الإلتزام به رغم أن لا إجماع ديني على ذلك، وعليه لم يكن ارتداء الحجاب بيد رئيس الجمهورية بل بيد المرشد وحاشيته الدينية.       

سياسياً، أنشأت سلطة المرشد مؤسسات أمنية، أبرزها شرطة الأخلاق، كما أصدرت قوانين وعقوبات لفرض الحجاب، حيث تقول التقارير إن السلطات المختصة اعتقلت خلال العقود الماضية أكثر من خمسين ألف امرأة، والكثير منهن تعرضن لعقوبات تراوحت بين السجن والزجر والغرامة المالية، وهكذا تحول هذا السلوك إلى صلب مهام السلطة في فرض رؤيتها السياسية على المجتمع.                                                         

ثورياً، تحول رفض الحجاب من قبل العديد من القوى والمنظمات، لاسيما النسائية منها، إلى ما يشبه أداة ثورية في وجه السلطة الحاكمة باسم الدين، إذ أن أصحاب هذه الرؤية وجدوا في إلزام النساء بارتداء الحجاب ضرباً للتعددية، والهوياتية الاجتماعية، وللحرية الشخصية، وعليه رأت قوى حزبية وحركات معارضة في رفض ارتداء الحجاب راية من أجل التغيير السياسي والاجتماعي في إيران، وانطلاقاً من ما سبق، لم تثر قضية في المجتمع الإيراني انقساماً بقدر قضية الحجاب، إلى درجة أن الانقسام  وصل إلى داخل السلطة الحاكمة، بين من رأى أنه لا بد من تخفيف التشدد في تطبيقه درءاً لمخاطر الانقسامات الاجتماعية وبين من رأى أنه لا بد من فرضه بالقوة بحثاً عن مجتمع موحد الهوية خلف السلطة الحاكمة باسم الدين، وهكذا تحولت قضية الحجاب إلى قضية سياسية تختزل رؤية المجتمع لهوية الدولة والسلطة والمجتمع والثقافة.

في التطبيق العملي، بدت ممارسة السلطة لفرض الحجاب أنها أمام نموذجين، نموذج يقبل بتعدد أنواع الحجاب للتخفيف من الرفض الاجتماعي له، ونموذج يجنح نحو التشدد في تطبيقه على غرار نموذج حركة طالبان، ويدفع بالمجتمع إلى الصدام والانفجار، وهو ما يفسر الغضب الاجتماعي الذي تفجر على خلفية مقتل الفتاة الكردية جينا (مهسا) أميني على يد (شرطة الأخلاق) قبل أن تتحول هذه الاحتجاجات بسرعة كبيرة إلى انتفاضة شعبية عارمة ضد المرشد ونظامه وسلطته في مختلف المحافظات والمدن الإيرانية، وهي انتفاضة غير بعيدة عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها المجتمع الإيراني على تعدد قومياته وهوياته، كما أن لها علاقة بالسياسة الخارجية الإيرانية على خلفية وصول مفاوضات النووي الإيراني إلى طريق مسدود من جهة، والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول الجوار الجغرافي، وما خلف هذا التدخل من توتر في العلاقات الخارجية الإيرانية من جهة ثانية.

في الواقع، مع أن التظاهرات في إيران ليست بجديدة إلا أن ما قد يُعقِّد المشهد الإيراني المتفجر حالياً، هو أن النظام بدلاً من اللجوء إلى سياسات واقعية في مواجهة التظاهرت الغاضبة اتجه إلى سياسة الهروب من معالجة هذه الظاهرة الجدلية والإشكالية معاً، من خلال القول إن هذه التظاهرات هي بفعل المؤامرات الخارجية، ودعم الغرب وإسرائيل للمتظاهرين، بل والتصعيد ضد إقليم كردستان العراق، بوصفه منطلقاً للحركات الكردية في إيران في محاولة لتوجيه أنظار الداخل إلى الخارج، وحشده هذا الداخل خلف سلطته بتنظيم تظاهرات مضادة في الشارع، فيما من الواضح أن للقضية جذور تاريخية واجتماعية وهوياتية… لها علاقة برؤية قطاعات اجتماعية واسعة لرفض فرض ارتداء الحجاب بالقوة باسم الدين، في وقت بات التطلع إلى الحرية الاجتماعية والشخصية والهوياتية سمة من سمات المجتمعات الباحثة عن التطور والتعددية والاستقرار والتعايش السلمي والتطور الاقتصادي، وهي كلها عوامل جعلت من حادثة مقتل الفتاة الكردية “أميني” ثورة شعبية عارمة تنشد إسقاط  نظام المرشد وسلطته الدينية الحاكمة باسم ولاية الفقيه.