21 ألفاً في حلب.. 11 عاماً من الحرب السورية خلفت مفقودين وقتلى

حلب – نورث برس

لم تعرف عائلة الشاب أحمد كسحو (35 عاماً)، وهو من سكان حي بعيدين شرقي حلب، شمالي سوريا، طريقةً إلا وسعت من خلالها للبحث عن ولدها الذي اختفى على أحد الحواجز الحكومية في الساحل السوري.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، سافر “كسحو” مع زوجته أسماء، وطفليه (مصطفى 7أعوام وحليمة 5 أعوام)، إلى الساحل السوري هرباً من القصف والدمار الذي لحق بالحي نتيجة سيطرة الفصائل المسلحة حينها عليه.

وعند وصولهم مدخل طرطوس تم توقيفه على حاجز المشفى، وبعدها اختفى دون أي خبر عنه إلى الآن.

وتروي رجاء كسحو (40 عاماً)، وهي أخت أحمد، تفاصيل ما وصفتها بـ”الفاجعة”، وذلك لحظة عودة أخيها إلى الحي في حلب لكن دونه.

وتقول لنورث برس: “فجأة قرع الباب، وإذا بزوجتي أخي وولديه يبكون أمام الباب من هول ما أصابهم، بعد إنزال الحاجز لأخي واقتياده إلى مكان مجهول”.

وتضيف: “زوجته أسماء حاولت الاستفسار عن مكانه وإلى أين يأخذونه وما السبب، إلا أنها لم تتلقَّ أي إجابة”.

رحلة بحث

وتتحدث الأخت عن رحلة البحث التي لاقت فيها الأمرين، “وصلت إلى طرطوس وطرقت أبواب الأفرع الأمنية وفرع حزب البعث وحصلت على معلومات أن لجاناً شعبية (شبيحة) تعمل على حاجز المشفى تابعة للدفاع الوطني وراء اختفائه القسري”.

ودون تحديد موقعه وما التهمة الموجهة إليه، قالوا لي: “صار بالشام”، وذهبت الأخت إلى الشام وتواصلت مع المسؤولين عن سجني عدرا وصيدنايا، “لكن لم أصل إلى مكانه”، لتفقد العائلة الأمل في العثور على الابن المفقود منذ تلك اللحظة.

ولم تنتمِ عائلة “كسحو” إلى أي فصيل معارض أو موالٍ منذ دخول مسلحي المعارضة للحي نهاية عام 2012، فالعائلة كانت معروفة ببيع المازوت في الشتاء والخضار في الصيف.

وتصف الأخت حال العائلة بعد فقدان أحمد وهو (الابن والأب والأخ والزوج)، “طفلاه لا يزال يبكيان كلما جرى الحديث عنه، وتوفيت والدته (55 عاماً) بعد تدهور حالتها الصحية، بعد اختفاءه، إذ كانت تعاني من أمراض الضغط والسكري”.

عفو عام لكن جزئي

وفي الثلاثين من نيسان/ أبريل الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفو عاماً عن “الجرائم الإرهابية” المرتكبة من قبل السوريين، لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، بحسب وكالة “سانا” الرسمية في الحكومة السورية.

ونشرت “سانا” شروط العفو وإلغاء ملاحقة أو إذاعة بحث وطلب مذكرة توقيف عن الغياب أو مذكرة إحضار أو مذكرة حكم أو عقوبة فالعفو محا الجريمة من صفحة الملاحقة القضائية.

وبحسب تقارير إعلامية، إن العفو الرئاسي للدولة السورية “لم يفرج إلا عن العشرات من بعض المحافظات، في حين تحطمت آمال الكثيرين لعدم خروج أبنائهم أو معرفة مصير آخرين لا يزال مجهولاً إلى الآن”.


وفي السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، نشرت أكاديمية DW، حول عزم الأمم المتحدة إنشاء منظمة دولية جديدة للمساعدة في البحث عن نحو 150 ألف سوري ما زالوا في عداد المفقودين منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، وجميعهم شملهم بعائلاتهم.

إحصاء

وبداية العام الجاري، وصل إلى مكتب المفقودين في حلب، 840 جدولاً يضم كل منها أسماء 25 شخصاً من المفقودين، بحسب أحمد مصطفى، اسم مستعار لإداري في المكتب.

وقال “مصطفى” لنورث برس، إن مكتب المفقودين سجل نحو واحد وعشرون ألف حالة بحسب الضبوط الشرطية الواردة إليهم، 60% منها رجال و30% منهم نساء و10% منهم أطفال توزعت بين المدينة والأرياف.

وتظل الأرقام المسجلة في السجلات، قليلة، إذا ما قورنت بحقائق اختفاء أشخاص منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، ولم تسجل أو تدون من قبل المنظمات الحقوقية.

وفقد إبراهيم بصمه جي (30 عاماً)، وهو من سكان حي سيف الدولة بحلب، منذ أيلول/ سبتمبر 2014 والده أثناء توجهه إلى طرطوس.

وكان والد إبراهيم، يقود سيارة شحن صغيرة (سوزوكي)، ذاهباً في تجارة إلى الساحل السوري، لبيع قطع تبديل السيارات كان قد جلبها من منطقة الراموسة.

وتواصل الابن مع أبيه، وطلب منه العودة وعدم إكمال الطريق، بعد أن قطع منطقة السلمية في حماة، بسبب ظاهرة الخطف التي كانت منتشرة في أرياف مدن حماة وحمص، إلا أنه لم يجبه وقال له: “لن أعود فقد اقتربت من الوصول”.

وبعد خمس ساعات عاود إبراهيم الاتصال بوالده، إلى أن هاتف الأخير كان مغلقاً، وكرر المحاولة عدة مرات ليجيبه أحد الخاطفين ويطلب منه فدية بقيمة ثلاثة ملايين ليرة.

وبعد النقاش مع الخاطفين، وتهديدهم بقتل الأب، تم الاتفاق على مليون ليرة كفدية لوالده على أن يتم تسليم المبلغ في منطقة المشرفة في ريف حماة.

وما كان من إبراهيم إلا أن وضع المبلغ في المكان المتفق عليه، وظل ينتظره يومين في السلمية بحسب الاتفاق، لكن دون أي جدوى.

ونهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، رحب رئيس لجنة التحقيق الخاصة بسوريا، باولو بينيرو، بتوصية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش لإنشاء هيئة دولية مستقلة خاصة بالمفقودين في سوريا.

وجاء هذا خلال الاجتماع التاسع عشر لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في مدينة جنيف السويسرية، المخصصة لمناقشة أوضاع المعتقلين وتقرير لجنة التحقيق الخاصة بسوريا وتقرير المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن.

ووصف بينيرو، خلال كلمته، مصير آلاف المعتقلين والمفقودين والمختفين قسراً و معاناة أسرهم بأنها “أكبر مآسي الحرب في سوريا”.

وأشارت تقارير دولية إلى وجود أكثر من مئة ألف مفقود ومختفٍ قسراً في سوريا منذ بداية الحرب.

إعداد: رافي حسن ـ تحرير: قيس العبدالله