عائلة أرمنية تتوارث صناعة الفخار منذ منتصف القرن التاسع عشر

القامشلي- ريم شمعون- NPA
"توارثت العائلة الحرفة من ستة أباءٍ، تعلّم والدي من جدي، وأنا تعلّمتها من والدي وأنا أورثتها لابني"، يقول ميساك أنطرانيك بيدروس الذي يعمل في صناعة الفخار لـ "نورث برس"، عن الحرفة التي توارثتها العائلة منذ منتصف القرن التاسع عشر.
هُجِّرت عائلة بيدروس من تركيا عقب المجازر الأرمنية التي ارتكبتها "الدولة العثمانية" بحق الأرمن والسريان عام 1915م حاملةً معها صناعة الفخار، لتكمل مسيرة العائلة في سوريا، حسب قوله.
ويضيف بيدروس مستذكراً أحداث الهجرة "كانت عائلتي مجبرةً على الهجرة من مدينتنا "صاصون" والتي تقع على الحدود التركية الأرمنية الإيرانية أثناء مجازر الـ "سيفو" حيث كان يبلغ عمر والدي آنذاك أربعة عشر عاماً"، مشيراً إلى أنّهم استقروا في حي قدور بك في مدينة القامشلي، حيث كان "الحي الوحيد الموجود في مدينة القامشلي منذ تسعين عاماً, وكان الشيءُ الوحيدُ الذي تتقنه العائلة هو العمل في الفخار،  فبدأ والدي بمساعدة جدي بتأمين المواد الأولية والآلات وبدأوا العمل".
وبدأ بيدروس الرجل السبعيني بالعمل في صناعة الفخار وهو بعمر الثالثة عشرة مع والده، وأورث الحرفة إلى ابنه الكبير أنطو الذي بدأ العمل بها بإشرافٍ منه.
صعوبات
وعن الفرق بين صناعة الفخار سابقاً مقارنةً مع يومنا الحالي، يشير ميساك إلى أنّ العمل كان "صعباً مقارنة باليوم لأن أغلبه كان يدوياً ولم نكن نملك آلاتٍ حديثةً مثل اليوم سوى الدولاب الذي نصنع عليه الأواني الفخارية".
وورث ميساك الدولاب الخاص بصناعة الأواني الفخاري من جده منذ حوالي/60/ عاماً، وما يزال يستخدمه إلى الآن، فقد انتقل معه إلى جميع المدن والأماكن التي عمل فيها، مشيراً إلى أنّه تنقّل كثيراً وصنع الفخار في كثيرٍ من المدن السورية مثل الرقة ودير الزور والبصيرة والبوكمال والميادين وبعض مدن العراق، بالإضافة لمشاركته في معرض دمشق الدولي.
ويبيّن ميساك أنّهم كانوا يضطرون للتنقيب في بعض الأراضي بحثاً عن نوعية التراب الأفضل والفخار القديم، منوهاً إلى أنّ الحكومة السورية عينته فترةً كخبير المنطقة الشرقية للآثار، حيث كانت هوايته البحث عن الفخاريات القديمة وجمعها.   
ألية العمل
ويوضّح الابن أنطو بيدروس طريقة وأسلوب العمل في صنع الفخار، قائلاً "نقوم بجلب التراب من حي الهلالية بمدينة القامشلي، كون عملنا يحتاج لنوعية تراب محددةٍ تُسمى "البيلون" أو "الصلصال"، وهي موجودة فقط في حي الهلالية، وبعدها نقوم بفرزه وجبله بآلة تدعى" الجبالة " وغربلته في بركة صغيرة لفرز الحجارة والأعواد منه، كون التراب يجب أن يكون نظيفاً ويشبه المعجون".
وتتم عملية الفرز خلال أيامٍ لأنّه يحتاج إلى الشمس أيضاً ليجف قليلاً، ثم تتم صناعة الأواني المتنوّعة التي تُترك لتجف داخل الغرف كون أشعة الشمس القوية تسبب في تشققها، وبعد أن تجف بشكلٍ كاملٍ تتم عملية الحرق داخل الفرن والتي تستغرق ثلاثة أيامٍ متواصلةٍ، لأن بعض الأواني تحتاج إلى الحرق أكثر من مرة لتأخذ شكلها الكامل، حسب أنطو بيدروس.
ويلفت أنطو إلى أن "عملية تحضير وإشعال الفرن تحتاج إلى شراء الخشب أو بقايا النجارة، لأنه لا يعمل على الوقود، وهذا أيضاً مكلفٌ مقارنةً بأسعار المواد التي نصنعها ولكن الحرفة التي توارثتها العائلة من سبعة أجيال يجب أن تستمر"، منوهاً أنّ "عملنا متوقف على الطلبيات التي تأتينا وأغلبها تكون جرات ماء وجرات عرائس ومطامير وأحياناً نعمل على صنع التنور".
وتصنع  العائلة, التي تقول أنّها الوحيدة في هذه الحرفة, الفخار في منزلها لابتعاده عن وسط المدينة, قائلين أنهم لا يرغبون بإزعاج أحد بالأدخنة المتصاعدة من أفران صقل الفخار.