عندما نكثت واشنطن وعودها قبل ثلاث سنوات في سري كانيه وتل أبيض

غرفة الأخبار – نورث برس

كان دلو محمد علي (29 عاماً) يعمل تقني أشعة في مشفى سري كانيه، حين سمع أنباءً عن قرار الولايات المتحدة الأميركية بالانسحاب من منطقته، ويدير الآن مكتب الصحة في مخيم “واشو كاني” لنازحي مدينته التي سيطرت عليها القوات التركية إبان عملية عسكرية أعقبت انسحاب القوات الأميركية.

يتساءل “علي” في حديثه لنورث برس، ماذا لو لم تنسحب القوات الأميركية، هل كان يعمل الآن في قسم الأشعة بمدينته ووسط أهله ؟

يصادف اليوم الأحد، الذكرى السنوية الثالثة للغزو التركي لمدينتي سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، عقب مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان.

مع  الذكرى الثالثة للعملية العسكرية التركية، لا يزال سكان في المنطقة ونازحون من منطقتي العملية التركية يصفون انسحاب القوات الأميركية بـ”الخيانة”.

“نكثوا بوعودهم”

يقول “علي” إن وفداً من وجهاء وعشائر سري كانيه زاروا قاعدة القوات الأميركية في قرية “تل أرقم” 5 كم غربي المدينة، وأن الأميركان وعدوهم بالبقاء وحمايتهم أمام التهديدات التركية.

“في اليوم التالي في الصباح الباكر نكثوا بوعودهم وغدروا بالسكان، تركوا مواقعهم حتى دون أن يأخذوا أمتعتهم” هكذا وصف “علي” ما حصل حينها.

كانت المنطقة تتصدر عناوين وسائل الإعلام الدولية بمشروع أعلن عنه المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، وهو “المنطقة الآمنة” وكان فحوى المشروع معالجة المخاوف التركية وأمن حدودها ووقف الحرب بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية.

القوات الأميركية وعدت بمنع الحرب، وانسحبت بموجها “قسد” من مواقعها، لكن وعيد وتهديدات تركيا لم تتوقف.

المتحدث باسم قوة العمليات المشتركة – عملية العزم الصلب، الكولونيل مايلز كاغينس، قال في إفادة إعلامية وقتها، إن التحالف يجد نفسه “ملزماً بإنجاح الآلية الأمنية من أجل الشراكة القوية مع قوات سوريا الديمقراطية”.

ضوء أخضر

لكن في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت واشنطن عدم معارضتها لعملية “نبع السلام” التركية وقالت إن قواتها لن تتمركز في المنطقة بشكل مباشر.

وانسحبت القوات الأميركية من نقاطها في قرية تل أرقم (/5/ كم غرب سري كانيه) بعد يومٍ من مكالمة أردوغان وترامب أي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 (قبل العملية بيومين)، الأمر الذي ولّد حالة من الهلع لدى سكان المدينة.

قُرأ الأمر كضوء أخضر أميركي للقوات التركية للبدء بعمليات الاجتياح.

“مكيدة تركية”

يرى صالح مسلم الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، أنه يمكن وصف ما حدث بـ”المكيدة” والعلاقة الشخصية بين أردوغان وترامب.

ويضيف عبر مراسلة مع نورث برس، أن مؤسسات الإدارة الأميركية لم تكن على علم بما يجري وأن الانسحاب “كان مفاجئاً لهم”.

وأن استقالة المسؤولين الأميركيين عقب قرار الرئيس الأميركي “كانت دليلاً على أنّ تركيا خدعتهم”.

“وصمة عار”

وبالفعل تقدم وزير الدفاع الأسبق الجنرال جيمس ماتيس، باستقالته من منصبه لخلاف في الرأي مع الرئيس ترامب، الذي تعرّض قراره المفاجئ بالانسحاب من سوريا لعاصفة من الاعتراض والشجب من كبار أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ودوائر الأمن والدفاع في العاصمة الأميركية.

ولكن “علي” يرى أن ما حدث “خيانة بالفعل”، وأن القوات الأميركية أدارت ظهرها لحلفائها في روج آفا (التسمية الكردية لكردستان سوريا)، “لو أوفى الأميركان بوعودهم لما كنا في المخيمات الآن”.

السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام قال حينها في تغريدة عبر تويتر: “إن كانت هذه الأخبار عن ترامب عبر الهاتف صحيحة فهذه كارثة.. هذه وصمة عار على شرف أميركا لتخليها عن الكرد”.

وتسبّب القصف التركي بـ”جرائم حرب” لم تقتصر على التطهير العرقي من خلال إفراغ مدينتي سري كانيه وتل أبيض من سكانها فحسب، بل تجاوزتها إلى ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية واستخدام أسلحة محرمة دولياً” طبقاً لمنظمات طبية.

يقول “مسلم” إن الولايات المتحدة اعترفت بخطئها لاحقاً، لكن بعد فوات الأوان.

ويقر أن الكثير اعتبروا موقف الولايات المتحدة حينها “خيانة”. وأضاف أن معاناة أهالي سري كانيه وتل أبيض لازالت مستمرة.

في ذات السياق قالت القيادية في مجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد، بعد عامٍ من العملية العسكرية التركية: “لا نستطيع أن نتهم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالخيانة لأنّها تتحرك وفق مصالحها”.

وأضافت حينها لنورث برس، “عندما أرادت تطبيق المنطقة الآمنة كان ذلك وفق مصالحها، وحين فتحت الطريق للهجوم التركي كانت مضطرة لحماية مصالحها مع تركيا”.

يقول مدير مكتب الصحة في مخيم نازحي سري كانيه، دلو محمد علي: “لو كانت ينابيع المدينة الشهيرة آباراً للنفط، لكانت عاصمة للولايات المتحدة الأميركية” في إشارة إلى أنها ما كانت أدارت ظهرها لهم.

إعداد وتحرير: عكيد مشمش