سنوات الجفاف تُجبر مزارعي أراضٍ بعلية في كوباني على البحث عن بديل
كوباني – نورث برس
في الأعوام السابقة وفي هذا الوقت من العام، كان عبدو مخيز (65 عاماً)، يحضّر نفسه لحراثة أرضه البعلية بمحصول الشعير للاستفادة من أي هطول مطري.
لكن فقدان الأمل بإنبات المحصول وتكبده خسائر خلال العامين الماضيين، من شراء بذور وحراثة، دفعه للتريث في حراثة أرضه، هذا العام.
يقول المزارع الذي يملك 50 هكتاراً في ريف كوباني، “سننتظر شهراً آخر ونرى المناخ، إذا لم يُبشر بخير لن أزرع أرضي”.
ويلجأ مزارعو الأراضي البعلية في كوباني لوضع بذور الشعير في هذا الوقت، لإثمار المحصول قبل نهاية الربيع. ولكن المخاوف من تكبد خسائر كما الموسمين الماضيين دفع البعض للعزوف عن الزراعة، وخاصة أنهم اضطروا خلال العامين الماضيين وبسبب انعدام الإنتاج لـ”تضمين” أراضيهم، لمربي الأغنام.
ويعرف الضمان أنه اتفاق يحصل بين المزارع ومربي المواشي لاستئجار الأرض منه لإطعام المواشي من المحصول المتواجد في الأرض.
وقبل عامين، كان “مخيز” وأقرانه من مزارعي الأراضي البعلية يلجأون لـ”تطبين” أراضيهم، أي حراثتها دون وضع البذور، ويعتمدون في ذلك على البذور التي سقطت في الأرض، الموسم السابق.
ولكن وبسبب الجفاف وقلة الهطولات المطرية، لم يعد “التطبين” يجدي نفعاً بسبب قلة البذور في الأرض، وهو ما يفرض على المزارعين شراء البذار.
و”التطبين” هو مصطلح شائع بين مزارعي الأراضي البعلية، وفيه يحرث المزارع أرضه، معتمداً على بذور الموسم السابق، تخفيفاً للتكاليف.
وفي كوباني تغلب المساحات البعلية على المروية بشكل كبير، ويتخوّف غالبية مزارعيها من امتداد سنوات الجفاف الذي جعل أراضيهم دون فائدة.
“بحصة تسند جرة”
ولجأ “مخيز” الموسم الماضي، لـ”تضمين” أرضه لمربي أغنام، دفع له 100 ألف ليرة عن الهكتار الواحد، وهو مبلغ لا يُقارن بتكاليف الزراعة، لكن “شو ما جا منها خير”، قولٌ ينمّ عن رضا المزارع بنصيبه.
ويشير إلى أن “الوضع الاقتصادي للمزارعين منهك وهم غير قادرين على تحمل أعباء الزراعة البعلية وتكاليفها”.
وبحسب مزارعين، فإن الموسم الحالي سيكلفهم 110 آلاف ليرة، تكاليف حراثة، و150 كيلوغرام من الشعير للهكتار الواحد، يصل سعرها لـ 400 ألف.
والعام الماضي حددت هيئة الزراعة والري أجرة الحراثة للهكتار الواحد بسعر 35 ألف ليرة، فيما لم تحدد إلى الآن الأجرة لهذا الموسم.
ولدى مصطفى حمدو (37 عاماً)، من سكان قرية بير رش، جنوبي كوباني، عشرة هكتارات، لم يحمل منها حبة واحدة في الموسم الماضي، بعد أن زرعها بالشراكة مع مزارع.
ونتيجة التكاليف العالية والدخل المحدود الذي يتقاضاه من عمله كمعلم، اضطر لشراكة مزارع بنسبة 30%، لكنه لم يجني من حقله، وتلف موسمه نتيجة قلة الهطولات المطرية.
يقول “حمدو” إنه في الأعوام السابقة كان يلجأ لأقاربه ومعارفه للحصول على كميات البذار وتكاليف الزراعة، إلا أن هذا العام يختلف عما سبقه بسبب صعوبة الظروف المعيشية لغالبية السكان، لذا قرر ألا يزرع أرضه هذا الموسم.
بدائل متوفرة
وفي ظل الغلاء وسوء الواقع للزراعة البعلية وخاصة لمواسم القمح والشعير، يبحث فتحي محمود (45 عاماً)، مزارع من كوباني عن سبيل لزراعة أرضه، بمواد متوفرة في الأسواق وأقل تكلفة مثل: البقوليات، الجولبان، العدس، الكزبرة، لعدم قدرته على شراء الحبوب (القمح والشعير).
ولدى “محمود”، 25 هكتاراً، زرع 15 منها بالأشجار المثمرة، فيما يعجز عن زراعة المساحة المتبقية لديه، تارة يفكر بزراعة البقوليات، وتارة أخرى، يطالب بتقديم الدعم من الوحدات الإرشادية، ويتمنى لو أن الإدارة الذاتية تفتح مجالاً للاستدانة.
ويشير في حديث لنورث برس، إلى أن هناك مزارعي أراضٍ بعلية عزفوا عن زراعة أرضيهم، واتجه الكثير منهم لزراعة الأشجار المثمرة التي تعطي إنتاجية ثابتة نوعاً ما، طبقاً لقوله.
ويضيف: “لكن زراعة الأشجار المثمرة قبل أن تعطي إنتاجها، تتطلب تكاليف باهظة من حيث التجهيز، وشراء الأشجار، فضلاً عن حفر الآبار لسقايتها، والمدة الزمنية التي سينتظرها المزارع ريثما تبدأ بإعطاء الإنتاج”.
لذا لا قدرة لأصحاب الأراضي البعلية على زراعة أرضهم بالكامل، ويُجبر الكثير منهم على ترك مساحات شاسعة من أرضه دون زراعة.

“هذا ما لدينا”
وينتقد مزارعون الدعم “الخجول” من قبل الإدارة الذاتية، والذي اقتصر على السماح بنقل بذور الشعير بين الإدارات، وتقديم المحروقات المخصصة للزراعة.
إلا أن عمر كنجو، الرئيس المشارك لهيئة الزراعة والري في إقليم الفرات، يرى أن الهيئة تدعم الزراعة البعلية، حسب مناطق الاستقرار وأن الدعم المقدم “كافٍ”.
ويضيف لنورث برس، أن الهيئة تعطي المزارعين ١٥٠ كيلو غرام من القمح لكل هكتار، وتقدم بعض التسهيلات عبر منح التصاريح لهم لنقل البذار ضمن مناطق الإدارة الذاتية وتأمين المحروقات لهم.
ويشير إلى أن الإدارة الذاتية حددت سعر بذار القمح بـ2300 ليرة، بغض النظر عن سعره في الأسواق.
ويبلغ سعر كيلوغرام القمح الواحد في الأسواق 2600 ليرة سورية، بينما يتراوح سعر الكيلو الواحد من مادة الشعير بين 1900 ليرة سورية للشعير الأبيض، و2600 ليرة للشعير الأسود، بحسب بعض التجار في كوباني.
بالإضافة إلى شح الأمطار وقلة الدعم الإداري، تشهد كوباني شحاً في المنظمات العاملة على دعم المجال الزراعي، ليبقى أصحاب الأراضي البعلية تحت رحمة الأحوال الجوية.