الرقة- مصطفى الخليل – NPA
عندما سيطر عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الرقة عام 2014، قام بفرض مجموعة من القوانين على المرأة تحديداً، لا تنسجم مع العادات والتقاليد المتوارثة بالمنطقة وثقافة المجتمع ذات الصبغة العشائرية.
تتحدث لينا الصالح (50 عاماً) من مدينة الرقة لـ"نورث برس" عن واقع المرأة خلال حكم التنظيم "ضيق عناصر تنظيم داعش كثيراً علينا، ووصل بهم الأمر إلى منعنا من الخروج من بيوتنا لشراء أبسط المستلزمات المنزلية، إلا برفقة الزوج أو المحرم".
وتضيف " اعتبروا المرأة عورة، وناقصة عقل ودين، وفرضوا علينا لبس النقاب والعباءة بشكل قسري، و لم يُستثنى من ذلك حتى المرأة الفلاحة، أثناء قيامها بالعمل الزراعي في الحقول".
"العادات والتقاليد"
لم تكن تعاليم عناصر التنظيم، المعاناة الوحيدة للمرأة في الرقة، فالعادات والتقاليد القبلية لعبت دوراً منذ القدم في تقييد أخد المرأة لحقوقها.
السيدة مريم الخلف (54 عاماً) ربة منزل من الرقة والعادات والتقاليد المتبعة، جعلت اخوتها يحرمونها من الحصول على حقها في الميراث، ومنعوا عنها حصتها من الأرض الزراعية العائدة لوالدها.
تقول مريم "تقاسم أخوتي حقي من الأرض فيما بينهم، وطالبت به مراراً وتكراراً، ولكن في كل مرة كانت حجتهم إن أخذي لحصتي من الإرث سيجلب العيب والعار عليهم وعلى العشيرة، في حين أنهم لا يمانعون أن تأخذ زوجاتهم حقهن من أراضي أهاليهن" واصفة ذلك بأنه،" ظلمٌ كبير".
زواج "الحيار"
تتابع مريم الخلف "في الرقة قديماً لا يؤخذ رأي الفتاة في موضوع زواجها .. وخاصة في حالة زواج الحيَّار( "حجز" ابن العم لابنة عمه لإجبارها على الزواج منه)، وهذا ما يسبب الكثير من حالات الطلاق والمشاكل الزوجية، رغم أن هذه العادة نادرة حالياً، و تنحصر في بعض العائلات فقط".
وتبين الخلف، أن بعض العائلات كانت تمنع بناتها من التعليم، و يكتفون بأن تتعلم القراءة والكتابة، وتضيف "عموماً كان دور المرأة مغيباً تماماً في الرقة، رغم أنها هي التي تعمل في الأرض، وهي التي تدير شؤون المنزل، و تخبز، وترعى الماشية، وتقدم لها العلف، و تربي الأولاد، وكان وما يزال، من العار أن يساعدها الرجل في أعمال المنزل، لأن ذلك يُعتبر انتقاصاً من رجولته".
"لجنة المرأة"
تأسست لجنة المرأة مع تشكيل مجلس الرقة المدني، في 18 أيار/مايو2017، وباشرت عملها من داخل مدينة الرقة في الخريف من العام ذاته ، ويتبع لها عدة لجان فرعية موزعة على مجالس الأحياء ودور الشعب العاملة ضمن نطاق مجلس الرقة المدني، وتعمل في هذه اللجنة نساءٌ من كافة مكونات المنطقة، عربيات وكرديات وشركسيات وتركمانيات.
وتقول رئيسة اللجنة فيروز خليل "ندعو إلى تحرر المرأة فكرياً، و أن تحمل إيديولوجيا تُعنى ببناء الأسرة والمجتمع ..ونسعى لاحترام العادات والتقاليد، والثقافة الدينية".
وبينت الخليل أن اللجنة تهدف إلى توعية الجميع رجالاً ونساءً بأهمية دور المرأة في الحياة، و متابعة مشاريع المرأة، ومساندة قضاياها.
وعن واقع المرأة في الرقة حالياً تقول الخليل "المرأة في الرقة اليوم تلعب دوراً هاماً، وبدأت تتفهم أهمية هذا الدور، فلها حضورٌ قويٌ في كافة المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني .. وقد قاومت جنباً إلى جنب مع الرجل ضد تنظيم داعش، وتحررت المنطقة بفضل التضحيات، من الرجال والنساء على حدٍ سواء".
وبحسب رئيسة اللجنة "سبب فشل المشاريع السياسية و التنظيمات العسكرية في سوريا، يعود إلى عدم وجود المرأة الفعال فيها وإعطائها دورها في البناء والتطوير".
وعن مدى تقبل فكرة تحرر المرأة تقول الخليل "الكثير من الوفود الغربية، عند زيارتها لمناطق شمال شرق سوريا بُغية الاطلاع على تجربة المرأة، يعترفون أن المرأة هنا أكثر قوة من نساء بلدانهم، رغم التطور الحاصل في تلك البلدان".
وتعلل سبب اعجاب تلك الوفود بتجربة المرأة في شمال شرق سوريا" المرأة عندهم متحررة في لباسها وتصرفاتها، أما هنا؛ فهي متحررة عقلياً وفكرياً، وأثبتت نفسها بجدارتها وإرادتها".
"زوجٌ مشجع"
بسمة إسماعيل سيدة أخرى تعمل ضمن لجنة المرأة، توضح ان تشجيع زوجها وابنها لها كان أحد الأسباب لانضمامها لتل اللجنة " كان هذا التشجيع دافعاً إيجابياً لي " وتضيف "ولولا هذا ذلك لما وجدتني اليوم هنا".
ومن وجهة نظر بسمة، واقع المرأة في الرقة تغير بنسبة /80/ بالمئة عما كان عليه أيام سيطرة عناصر تنظيم الدولة، لافتة إلى أنه ماتزال هناك بعض العائلات لديها نظرة قديمة عن عمل المرأة، "وهذا نابعٌ من العادات والتقاليد" حسبما تقول.
" وجيهات العشائر"
وعقد مؤخرا ملتقى "وجيهات العشائر" في قلعة جعبر القريبة من الرقة، ووصفت السيدة هنادي مصطفى الراكان، (زوجة الشيخ محمد التركي) من قربة العكيرشي، والتي حضرت الملتقى، بأنه كان ناجحاً وحقق المراد منه، إذ أنه "كان فرصة طيبة للقاء الوجيهات من العشائر الأخرى؛ من بنات وزوجات وجهاء و شيوخ العشائر في عموم مناطق شمال شرقي سوريا".
وتضيف الراكان "بالرغم من أننا نعرف بعضنا البعض مسبقاً، ويوجد بيننا زيارات عائلية، وصلات رحم، ومصاهرات، ولكن في هذا الملتقى، ناقشنا مشاكل المرأة الفلاحة وما تعانيه، وطالبنا بتفعيل دورها أكثر، ولقد وجدنا استجابة من الجهات المعنية".
وتولي الإدارة المدنية الديمقراطية لشمال شرقي سوريا أهمية لدور المرأة في المجتمع، وتسعى من خلال منظومة خاصة بالمرأة، تتبع لها مكاتب ولجان موزعة في كافة المناطق التابعة للإدارة، و تقيم عدة فعاليات نسوية بشكل دوري، إلى التأكيد على اهمية تمتع المرأة بكامل حقوقها.