غرفة الأخبار ـ نورث برس
يعلم السبعيني، محمد عزو، وهو أمين متحف الرقة سابقاً، أن العمل الأثري لم يكن سهلاً، لأن الثقافة الأثرية في الشرق “قليلة جداً”، إذ أن الإنسان المشرقي لديه ثقافة “ضحلة” عن الآثار، لذلك اهتمامه فيها قليل واحترامه أيضاً قليل.
ويتمنى “عزو”، في حديثه لبرنامج “كنتُ شاهداً”؛ على وكالة نورث برس،
“لو يعلم الشخص المشرقي أن هذه الآثار التي تمّ الكشف عنها والتي لا زال بعضها مطموراً تحت التراب، تمثّل تاريخه الوطني والقومي، لأن الآثار عامل مشترك بين كافة الشعوب في سوريا”.
وحصل محمد عزو، في العام ١٩٧٩، على الماجستير في الآثار وتاريخ الفنون؛ من جامعة تشارلز البريطانية، ليعود إلى الرقة؛ مسقط رأسه، ويعمل بوظيفة أمين متحف الرقة، لمدة عام.
ثم تعاقد مع جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، لمدة طويلة، ويكمل “عدتُ بعدها إلى سوريا، وعُيّنتُ في الرقة أميناً لمتحفها حتى عام 2003”.
وقبل اندلاع الحرب في سوريا، كان متحف الرقة يحتوي على أكثر من 7000 قطعة أثرية، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية موجودة ضمن مواقع: هرقلة، وقلعة جعبر، والتلال الأثرية؛ بحسب “عزو”.
ويوجد في مدينة الرقة؛ ٧٠٠ موقع أثري موزّع داخل المدينة وخارجها، كما أن الإرث التاريخي للرقة؛ موجود في العديد من المتاحف العالمية، منها (متحف اللوفر في باريس) التي تحوي قاعات كاملة باسم الرقة.
وفي غصّة يُضيف “عزو”: “لكن وللأسف الشديد، وفي غفلة من الزمن دخل الأشرار والغزاة إلى مدينة الرقة، واستباحوها تحت مسمّيات كثيرة، وأدخلوا الدين كواسطة لاحتلالها وتدميرها، الأديان بريئة منهم ومن أعمالهم”.
وبعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على الرقة، عام 2013، نُقلت أكثر من 3000 قطعة أثرية نادرة إلى البنك المركزي السوري لحمايتها، لكن الفصائل قامت بنهب البنك وسرقة محتوياته.
يقول الأثريّ السوري:
“جاءت إلى الرقة كتائب كثيرة تحت مسمّيات كثيرة، واحتلت المدينة، وعاثت فساداً فيها، وعانى متحف الرقة والآثار الأخرى الموجودة في المدينة الكثير والكثير من أعمالهم الشريرة”.
وحينها جنّدت فصائل المعارضة، تجّار القطع الأثرية للتنقيب عن الآثار وبيعها، “التنقيب الأثري والتهريب من متحف الرقة؛ شاركت فيه للأسف الشديد مجموعة الدول التي تحيط بسوريا، وخاصة تركيا؛ التي كانت هي المُعين والحاضن لكل السرقات الأثرية، ثم لبنان والعراق”، بحسب “عزو”.
يعود الأثريّ السبعيني، بذاكرته إلى عام 2013، ويقول: “أتذكر حينها جئنا إلى متحف الرقة، ووجدنا شخصاً يحرس المتحف، يجلس على كرسيه، ويحمل مسدساً في يده ملتحياً طبعاً”.
ويُضيف: “قلنا له هل من الممكن أن ندخل لزيارة المتحف، فأجاب مستفسراً؛ من أنتم؟، عرّفنا عن أنفسنا؛ ولكن بعد ذلك ما كان منه إلا أن قال لنا، وبنبرة عالية وعنجهية وتعالٍ غير طبيعي، اذهبوا من هنا فأنتم مرتدّون”.
موقف آخر تعرّض له “عزو”، ولكن في الطبقة، يرويه بعبرة تخنقه: “وجدنا بسطة على الرصيف فيها أوراق وأقلام ومسدسات وقنابل وهناك قطع أثرية، وكوني كنت أمين متحف الرقة؛ عرفت أن هذه القطع من المتحف وما زاد من يقيني أني شاهدت أرقاماً عليها؛ كنت كتبتها بخطّ يدي”.
وفي جولته ضمن المتحف، استوقفه تابوت أثري، له قصة “جميلة جداً”، يروها الأثريّ “عزو”، فيقول: “عندما دخلت المجموعات المسلحة واستولت على المتحف ونهبته، تمّ إخفاء مجموعة جيدة من القطع الأثرية في قاعة التابوت، ووضع فوقها كِسرٌ فخارية هائلة جداً؛ جاء هؤلاء اللصوص وجدوا أن التابوت ثقيل جداً والكِسر الفخارية ليس لها أي قيمة فتركوه”.
وفي المتحف، لوحتان فسيفسائية؛ اكتُشفت مع اثنتان أُخريتان في هذا القرن، بموقع أثري يسمى موقع “هلاوا”، يقع على الضفة الشرقية لبحيرة سد الفرات، لم تفقد هذه اللوحة، رغم ما مرَّ بالمنطقة من قصف وتشويه للآثار وما لاقته اللوحات من قِبل المجموعات المسلحة؛ من نظارتها وعظمتها.
يقول “عزو”: “هذه اللوحة كانت مصفوفة باللون الأسود بالكامل تقريباً كما اللوحة الأخرى، وهذا من عمل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولا نعرف ما القصد من هذا الفعل”.
ويُضيف:
“هذه العصابة كانت تريد تدمير كل ما يُشير إلى العقل المُنير والعقل المنفتح”.
وإلى الآن لم توثِّق أي جهة حجم السرقات التي طالت آثار الرقة؛ من قِبل فصائل المعارضة و”داعش”؛ وبعد طرد الأخير من الرقة عام 2017، سُلمت القطع الأثرية المتبقية إلى المجلس المدني في المدينة.
يتشبّث السبعيني “عزو”، بأرض مدينته، ويعمل على حماية التراث القومي “لي كشخص ولكافة المكونات الأخرى الموجودة في هذه المدينة”.
ويقول: “سعة ذاكرة الأمة تتناسب دائماً مع ما تمتلكه من تراث مادي ولا مادي، ولذلك يجب علينا وعلى الشباب جميعاً أن نقوم بحراسة المواقع الأثرية والتراث الأثري”.
ويرجع “عزو” السبب، “لأن كل مكوّن قومي في هذا البلد؛ له تراثه الخاص، وهذا التراث هو الشعلة الأساسية والمصباح المنير لكافة الشعوب الموجودة في هذه المنطقة”.