درعا/ السويداء ـ نورث برس
يستعد زين الحسين، اسم مستعار لشاب جامعي، في العشرينات من عمره، من قرية الطيبة، في ريف السويداء الشرقي، جنوبي سوريا، للسفر إلى ليبيا في محاولة للوصول إلى أوروبا؛ هروباً من واقع معيشي متدهور تشهده المحافظة الجنوبية، وإهمال خدماتي وصل لشراء مياه الشرب.
ولجأ الكثير من الشباب في السويداء، إلى السفر للخليج أو محاولة الهجرة إلى أوروبا؛ في هجرة كبرى ثانية تشهدها البلاد بعد هجرة عام 2015.
ويرى كثيرون؛ أن العوامل التي تدفع للهجرة، والتي يشهدها الجنوب السوري اليوم، لا تختلف من حيث النتيجة عن الهجرة بسبب الحرب والقصف، فالهدف “تهجير” الشباب من المنطقة، فالمقصد المشترك هو البحث عن حياة كريمة.
تهميش الزراعة
في سياسة وُصفت بـ”الناعمة”، تعمّدت السُلطات السوريّة؛ تهميش موارد الزراعة في المنطقة الجنوبية؛ نظراً لاعتماد السكان بشكل أساسي على الزراعة.
وخلال عرض رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، إنفاق الحكومة لتحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، أمام مجلس الشعب، فنّد بالأرقام، المبالغ التي تمّ تخصيصها للقطاع الزراعي.
وأنفقت الحكومة السورية، عشرات المليارات، في العام الحالي، لتنمية القطاع الزراعي، في مختلف المحافظات السوريّة، وكانت حصّة محافظة السويداء هي الأدنى؛ حيث حصلت السويداء؛ على مبلغ مليار ومئة مليون ليرة، بينما حصلت اللاذقية على 47 مليار ليرة، في فروقات كبيرة تعكس حجم الإهمال الزراعي لمحافظة السّويداء.
ومع بداية جني التفاح؛ (المحصول الأبرز لمحافظة السويداء)، تهمل الحكومة دعم تفاح السويداء؛ عبر شراء المحصول من المزارعين بأسعار زهيدة لا تتناسب مع تكاليف الزراعة.
بالإضافة إلى أخذ المحصول الجيد، “النّخب الأول”، وترك باقي المحصول للمزارع دون حلول لتصريفه.
وفضّل والد زين الحسين، بيع بستان التفاح لديه؛ لدفع تكاليف سفر ابنه بعد أن أصبحت الزراعة لا تجني سوى “بعض الليرات”.
يقول “الحسين”، إن مردود بستان التفاح كان يكفيهم للمعيشة بشكل جيد في السابق بالإضافة لراتب والده، أما الآن لم يعد يكفي مصاريف جامعته، “لذلك فضّلت السفر لعلّي أتمكّن من مساعدة عائلتي في المصاريف”.
ويرى سكان من السويداء، “أن خسائر الزراعة، من القمح إلى البندورة وصولاً إلى التفاح، وعدم وجود دعم لتصريف المنتجات بأسعار مناسبة؛ كان سبباً لهجرة الكثيرين”.
درعا ليست أفضل
ولا يختلف الوضع في محافظة درعا، فرغم أهميتها الزراعية وباعتبارها سّلة الجنوب الغذائية، فإهمال السُلطات للزراعة عكس نتائج كارثية على السكان.
يقول خالد الربداوي، (55 عاماً)، وهو مزارع في ريف درعا الغربي، لنورث برس، إن سكان المحافظة كانوا سابقاً يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للدخل.
إلا أن الأمر تغيّر خلال السنوات الماضية، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا، وعجز الحكومة عن إيجاد الحلول، بحسب “الربداوي”.
وبسبب تدهور قطاع الزراعة والمعاناة التي تواجه المزارعين، اضطرّ الرجل لإخراج أبنائه الثلاثة من سوريا، وذلك “لتأمين مستقبلهم”، بحسب قوله.
ونوّه إلى انخفاض مساحة الأراضي الزراعية التي يعمل بها إلى أقل من النصف، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات؛ في حال توفّرها، بالإضافة إلى الضعف الكبير في التيار الكهربائي.
وزاد انهيار الليرة السورية من الضغط على قطاع الزراعة، إذ يضطرّ المزارعون لشراء الأدوية والبذور بالدولار الأميركي، وذلك على طلب الموزّعين.
بالإضافة لارتفاع أجور النقل، ورفض عدد من الدول استقبال المنتجات الزراعية السورية، وهو ما زاد أيضاً من خسائر المزارعين؛ ما دفع بعضهم للتوقف عن الزراعة.
إهمال خدمي
من الناحية الخدمية، يعاني الجنوب السوري؛ من إهمال كبير في تأمين خدمات السكان من نقص في المحروقات والكهرباء بالإضافة إلى قلة المياه والاتصالات.
يقول وائل نعيم، (40عاماً)، وهو اسم مستعار لموظف من مدينة السويداء، إن الإهمال الخدمي الكبير لمحافظة السويداء؛ “انعكس أضعافاً على أزمة السكان الاقتصادية، وأصبحت الهجرة هي الحلّ الوحيد للسكان”.
وأكّد “نعيم”، أنّ نقص مازوت التدفئة؛ يعتبر الهاجس الأول لسكان السويداء؛ ذات المناخ الجبلي البارد؛ فمع وصول سعر ليتر المازوت إلى حوالي أكثر من 6000 ليرة، في السوق السوداء؛ تحوّل الشتاء “لكابوس للسكان”.
وبلهجته العامية يقول “نعيم”: “تعتمد الدولة سياسة التطفيش مع سكان السويداء، وعلى مبدأ هذا الموجود”.
ومنذ عقود تسعى السُلطات لتفريغ محافظة السويداء؛ من شبابها، ودائماً ما كانت تسهّل لهم الهجرة إلى فنزويلا والخليج وغيرها، “واليوم تعمد أسلوب الإهمال وعدم تأمين الخدمات للسكان لتهجيرهم”، بحسب “نعيم”.
وجميع أشقّاء “نعيم”، بدول الاغتراب موزّعين بين القارات، “تهجير الأبناء سياسة لتحوّل الأهل لرهائن، فلولا دعم الحوالات من المغتربين لا وجود للحياة في السويداء”، بحسب قوله.
نقص الخدمات الطبية
ويبقى لإهمال الجانب الطبي الأثر الأكثر ألماً على السكان، ويقول محمود البلخي، (45 عاماً)، إن نقص الخدمات الصحية كان سبباً في هجرة عدد من أقربائه.
واضطرّ ابن عم “البلخي”، إلى الهجرة لأحد الدول المجاورة؛ بسبب حاجته للعلاج من أحد الأمراض المزمنة.
وأضاف أن نقص الأدوية والتجهيزات الطبية في المشافي الحكومية؛ في درعا، وارتفاع أسعار هذه الخدمات في المشافي الخاصة دفع السكان إلى الهجرة.
وأشار، أن المريض عليه الانتظار لعدة أشهر في المشافي الحكومية من أجل التصوير على جهاز الطبقي المحوري، أو جهاز الرنين المغناطيسي، في حين وصل سعر صورة الطبقي المحوري في المراكز الخاصة في درعا؛ ما يقارب المليوني ليرة سورية.
بطالة مقنعة
الخبير الاقتصادي المقيم في كندا أسامة القاضي، قال لنورث برس، إن “93% من السوريين المقيمين في مناطق سيطرة نظام الأسد؛ يعيشون تحت خط الفقر”.
وأضاف، أن التضخّم تجاوز “الألف بالمئة”، وشحّ المواد الأساسية من خبز وماء وكهرباء، “قطع كل أمل للسوري في أن يعيش بكرامة على تلك الأرض”.
وأفاد أنه “لم يعد للبطالة معنى”، وأضاف: “حتى من يعمل لا يتجاوز متوسط دخله الشهري 30 دولاراً أميركياً، وهو بطالة مقنعة لأن هذا الدخل لا يمكِّنه من العيش لأكثر من أيام؛ بعيشة بسيطة”.
الباحثة الاقتصادية في دمشق رشا سيروب، كتبت في منشور على صفحتها على فيس بوك، “الموظف في القطاع العام يحتاج إلى 111 عاماً؛ من أجل شراء منزل لا تتجاوز مساحته 60متر مربع”.
وطالبت “سيروب”؛ الحكومة السورية، بإحداث وزارة جديدة تحت اسم “الهجرة والموت”؛ نتيجة تردّي الوضع الاقتصادي الذي أدى إلى هجرة السوريين بشكلٍ كبير.