الجفاف يدفع دمشق وبغداد إلى التعاون في مواجهة الجيوسياسية التركية

دمشق – نورث برس

شدّد مستشار وزير الموارد المائية العراقية، عون ذياب، الأحد، على أهمية توحيد مواقف دمشق وبغداد؛ فيما يتعلّق بملف مياه نهري دجلة والفرات، محذّراً من استمرار الكارثة البيئية في البلدين، مع دخولها في رابع موسمٍ للجفاف على التوالي.

وتشهد سوريا والعراق؛ شُحّاً لموارد المياه بالتوازي مع حالة جفاف موسمية تشمل انخفاضاً كبيراً لمنسوب نهري دجلة و الفرات، مما أثر بشكل كارثي على القطاعات الزراعية والحيوانية والصحية في البلدين.

وتحدّث “ذياب”، لنورث برس، عن اللقاءات المكثّفة بين الجانبين السوري والعراقي على مستوى وزارتي المياه.

تعاون سوري عراقي لمواجهة الأزمة

وفي السابع عشر من أيلول/ سبتمبر، الفائت، اختُتمت فعاليات الاجتماع الثنائي؛ العراقي – السوري المشترك الخاص بإطلاق “البرنامج الهيدرولوجي” الدولي، بنسخته التاسعة في دمشق، بحضور الوزيرين العراقي مهدي رشيد الحمداني، والسوري تمام رعد.

ودعا الجانبان وقتها، إلى استمرار العمل والتنسيق المشتركين وتوحيد المواقف للحصول على حقوق البلدين المائية؛ في ظلّ نقص الإيرادات المائية والتغيّرات المناخية.

ويوجد بالفعل اتفاق تعاون بين دمشق وبغداد، في موضوع تقاسم المياه حسب ما أكّده المستشار العراقي، كما أنه أشار إلى استمرار البحوث والدراسات المشتركة للتوصُّل إلى صيغة فعّالة تخفّف الضّرر وتُرشد الاستهلاك.

وكشف “ذياب” عن نية اجتماع قريب بين الجانبين السوري والعراقي في بغداد؛ لاستكمال البحث في الملف المائي و لا سيما إدارة نهر الفرات.

وقال، إن “الهدف من الاجتماعات هو بحث استغلال المياه وترشيدها في ضوء الجفاف الذي يعصف بالمنطقة، ولقد أثر ذلك على العراق بشكلٍ كبير وخاصة مناطق الجنوب والأهوار العراقية.”

وبالنسبة لسوريا، وصل مستوى خطورة الجفاف والشحّ المائي، إلى التسبّب بانتشار الأوبئة كالكوليرا نموذجاً، وهذا ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية قبل أسبوعين.

وأرجعت المنظمة الأممية، في تقرير الشهر الفائت؛ سبب انتشار الوباء في سوريا، إلى نقص المياه وتلوّثه نتيجة الجفاف، داعيةً إلى حلول عاجلة.

كما أن العراق؛ ليس بمنأى عن خطر الجفاف، وقلّة منسوب مياه نهري دجلة والفرات؛ التي من المفترض أن تكون مياه دولية تتقاسمها كل من تركيا وسوريا و العراق.

حرب جيوسياسية

وفيما يتحدّث المسؤولون في الشأن البيئي بالبلدين؛ عن تداعيات المغيّرات المناخية، إلا أن آخرين يركّزون على أنها بمثابة “حرب جيوسياسية” بالنظر إلى انحسار نهري دجلة و الفرات في العراق وسوريا؛ في الوقت الذي تُنشئ  فيه تركيا؛ سدود إروائية  دون الأخذ بعين الاعتبار حق البلدين المتشاطئين من المياه.

بالرغم من أن نهري الفرات ودجلة، هما نهران دوليان عابران للحدود، فقد أدّت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80 في المئة؛ حتى قبل الأزمة الحالية، بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 50 في المئة.

ومنذ تأسيس الإدارة الذاتية، في شمال وشرق سوريا، تراجع مستوى تدفُّق المياه من تركيا إلى سوريا؛ إلى أقل من نصف الكمية المُتّفق عليها، وهو ما يعتبره المسؤولون في الإدارة الذاتية “حرباً جيوسياسية” تمارسها أنقرة.

وينطبق ذلك على العراق، وفق ما جاء في  حديث وزير الموارد المائية العراقية، مهدي رشيد الحمداني، خلال تصريح صحفي، أمس السبت، مكرِّراً ما تحدّث به الكاظمي؛ في خطاب له  في جمعية الأمم المتحدة قبل أيام، إن “مشاريع تحويل الأنهر في بلدان الجوار كلها تمّت دون مشورة العراق ودون أخذ حق العراق من المياه بعين الاعتبار.”

وأشار “الحمداني”، إلى استمرار مساعي التوصُّل إلى تفاهمات مع الجانب التركي، حيث سيزور فريق وزاري تركيا؛ لغرض مناقشة الخزينة المتوفرة في تركيا؛ والعمل سوياً لمواجهة الشحّ المائي.

ودعا “الحمداني”؛ الجارتين تركيا، وإيران؛ أن تعيَان المشكلة المائية في بلده، كما حثّ حكومة بغداد، على اتخاذ إجراءات في حال تقاعُس الدولتين لحلّ الأزمة.

وسبق أن دعا مسؤولون عراقيون إلى استخدام أوراق ضغط اقتصادية ضدّ دول المنبع؛  تركيا وإيران.

وكان الأبرز من تلك التصريحات، هي التي أطلقها نائب رئيس البرلمان العراقي حاكم الزاملي، المستقيل حالياً، حين قال الصيف الفائت، إن قطع المياه عن العراق من قِبل “تركيا وإيران”؛  بمثابة استهداف مباشر لحياة العراقيين “والذي لا يمكن السكوت عنه”.

وهدّد “الزاملي” وقتها؛ بسنِّ قانون “تجريم التعاون الاقتصادي والتجاري” مع تركيا وإيران، إلا أن الأزمة السياسية في البلاد منذ عام، حالت دون التركيز على القضية.

وكانت وزارة الموارد المائية العراقية، حذّرت في الصيف الماضي، من مغبّة المشاريع التركية على نهري دجلة والفرات، وما لها من تداعيات خطيرة على البلاد، ولا سيما في الجنوب.

وتُعتبر المشاريع التركية، مخالفة لمفاهيم الاتفاقيات الأممية؛ والتي تحكم حالة نهري دجلة  والفرات، على أنها غير ملاحية وتعبر الحدود المشتركة، ما يعني أنه على الدول المتشاطئة أن تتقاسم حصص المياه بشكلٍ عادل ومتفق عليه دون إضرار بلدٍ بآخر.

وما يزيد القلق العراقي، هو المشاريع التخزينية الإروائية التركية؛ التي تتضمّن خزن المياه داخل الأراضي التركية؛ وبالتالي تؤدي إلى الشّح في بلد المصبّ.

جفاف يهدّد المنطقة

وقال المستشار في وزارة الموارد المائية العراقية، عون ذياب، إن الجفاف خلال الأعوام الثلاثة الماضية؛ لا مثيل له منذ زمنٍ بعيد، ولم تمر فترة جفاف في المستوى الذي تمر به المنطقة والبلاد حالياً؛ منذ عشرات السنوات.

وتسبّبت قلة الهطولات في فصلي الربيع والخريف بحسب “ذياب”، بتداعيات كبيرة على البلدين سوريا و العراق.

وفي وقتٍ سابق، بحث رئيس الجمهورية برهم صالح، خلال  لقائه وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، بحضور وزير الزراعة والموارد المائية في حكومة إقليم كردستان بيكرد طالباني؛ الأمن المائي والتحدّيات التي تواجه العراق، وإقليم كردستان؛ في قضية المياه.

وركّز الاجتماع بحسب بيانٍ رئاسي؛ على أهمية وضع خطط استراتيجية لمواجهة أزمات الجفاف، والتصحُّر، والتغيُّر المناخي؛ الذي بات “أزمة عالمية”.

وشدّد صالح، على أهمية تأمين الحصص المائية للبلد، عبر الحوار مع الدول المجاورة، وفق مبادئ حُسن الجوار؛ لحماية نهري دجلة والفرات وروافدهما.

ويتوقّع المستشار العراقي،  نقص هطول الأمطار في الخريف الحالي، ما يضع البلد أمام تحديات أكبر على حدّ تعبيره.

وفي حديثه عن التنسيق مع الجانب السوري، شدّد “ذياب”  في قوله؛ إنه من المهم جداً توحيد موقف البلدين تجاه دولة المنبع تركيا؛ كونه موضوع يتعلق “بالحياة”.

إعداد وتحرير: هوزان زبير