آفات زراعية تضرب محاصيلهم.. مزارعو الذرة في الرقة ينتظرون حصاد الخيبة

الرقة – نورث برس

يقطف محمد، أول نبتة ذرة تقع في يده، ويبدأ بعدّ الديدان التي تنخر ساقها وتأكل ثمرتها قبل أن تبدأ، لا حاجة لأن يفتش المزارع عن نبتةٍ ضربتها الآفات في حقله هذا الموسم.

وضربت الآفات الزراعية موسم الذرة في الرقة، هذا العام، بعد تحذيرات من لجنة الزراعة من انتشارها قبل بداية الموسم، وضرورة اتّباع برنامج وقاية طرحته اللجنة حينها، لتقليل خسائر المزارعين.

ومن قريته العكيرشي، شرقي الرقة، يقول محمد الغضبان، (67 عاماً)، إنه خسر بداية موسمه بعد حرقه، بمبيدات أعشاب “فاسدة”، عاود بعدها حراثة أرضه، وزراعتها من جديد، تحمّلت الشركة المستوردة لتلك المبيدات، تكاليف إعادة الحراثة والزراعة.

وفي الرابع والعشرين من أيار/ مايو، الماضي، حذّر مسؤول في لجنة الزراعة والري في الرقة، المزارعين والفنيين الزراعيين من الانجرار نحو تداول بذور ذرة صفراء؛ مستوردة من مصادر أجنبية منتشرة في الأسواق “ذات جودة سيئة”.

ويشير المزارع الستيني، إلى أنه اشترى السماد والبذار والمبيدات بالدولار، ونظراً للتكاليف الباهظة اضطرّ للاستدانة من الصيدليات الزراعية، آملاً إيفاءها نهاية الموسم، “لكن يبدو أن ذلك لن يحدث، الدودة أكلت المحصول”.

والاستدانة من الصيدليات والتجّار سمة شائعة بين مزارعي الذرة، لارتباط المواد بالدولار، على أن يسدّدوا لهم عند حصاد الموسم، ولكن بزيادة سعر تصل إلى أكثر من 30% عن سعرها في السوق.

يؤكد “الغضبان”، أن هذا الحجم من الإصابات للموسم لم يراها طيلة عمله في الزراعة، ويُقسِم، ويتحدّث بلهجته المحلية: “بقصبة (نبتة) واحدة 75 دودة، عديناهن آني وأخوي، ما شفنا هيك بحياتنا، كانت تضرب المحاصيل ونعالجها”.

قلّة الرقابة

وتعتبر مناطق سرير نهر الفرات؛ مناطق خصبة، وتعطي إنتاجية عالية من موسم الذرة الصفراء، ويصل فيها إنتاج الدونم الواحد إلى طن من الذرة في الأحوال الجيدة، لكن هذا الموسم يختلف عما سبقه.

يُعيد محمود الأحمد، مهندس زراعي وصاحب صيدلية زراعية السبب إلى دخول بذور وأدوية غير معروفة المصدر، ويحمّل المسؤولية لمكتب الوقاية في الرقة؛ في ضعف الرقابة على تلك المواد.

ويُضيف أن ضعف الرقابة أدّى لدخول مبيدات وبذور فاسدة، والتي أدّت بدورها لإتلاف حقولٍ من الذرة ونمو النباتات غير المنتجة، التي تصلح فقط للأعلاف.

يستغرب المهندس من الأشكال الغريبة لآفات الذرة، عدا دودة حفّار الساق؛ التي درسها في الجامعات السورية، “ربما تكون هذه الأصناف غزت مناطقنا، رغم خبرتي الطويلة لـ 37 سنة في الزراعة لم أرَ مثل هذه الحشرات”.

ولا يعرف الأصناف العلمية لتلك الحشرات، والغريب بحسب “الأحمد”؛ أن هذه الديدان تُلاحق نمو النباتات، وتستمر بتفقيس البيوض في النبتة، خلافاً عن دودة حفّار الساق التي ينتهي تأثيرها بعد وصول النباتات لأكثر من 30 سم.

ويزيد على كلامه، “الآفات التي رأيناها هذا الموسم غريبة جداً، في السابق كنا نصادف حشرة حفّار الساق، تموت في المعالجة، لكن هذا الموسم عالجنا لثلاث وأربع مرات دون فائدة”.

والاثنين الفائت، قال مهندس في لجنة الزراعة في الرقة، إنهم سجّلوا إصابات بنوع جديد من الحشرات، أضرّت بشكل كبير موسم الذرة الصفراء، والبقوليات، في بلدات كديران، والسلحبية؛ غربي الرقة.

وأضاف المهندس، لنورث برس، حينها؛ أن التصنيف العلمي للحشرة المسجّلة، من نوع دودة “الجيش الجنوبي”، رُصدت لأول مرة في المنطقة، وأضرّت “بشكل كارثي” بحقول البقوليات و”البرسيم”.

وأشار إلى أن هذه الحشرة سوداء اللون، وشرهة بشكل كبير ودخلت إلى المنطقة مع بذور الذرة الصفراء، والبقوليات؛ “غير المفحوصة”، وسبق أن تسبّبت في أفريقيا بكوارث زراعية أدّت لمجاعات.

القادم أسوأ

ويتوقع صاحب الصيدلية أن تأكل الحشرات المحاصيل دون أي مكافحة، في ظلّ ارتفاع  نباتات الذرة وعجز المزارع عن المكافحة التي تحتاج لطائرات زراعية.

ويُضيف في توقعاته، أن المواسم القادمة ستكون كارثية، حيث أن البيوض واليرقات ستكون مستوطنة في المنطقة.

وكثرت الآفات الحشرية في حقول “الذرة الخيرية”؛ (تلك التي تُزرع بعد منتصف شهر تموز)، ويشكو مزارعو حقول الذرة الخيرية، وخاصةً ممن أُتلفت حقولهم نتيجة المبيدات الفاسدة، بتفشّي الديدان بشكل كارثي.

ويصف مزارعون هذا الموسم بأنه “كارثي”؛ بسبب الخسائر والتكلفة العالية للزراعة، إذ وصلت تكلفة الدونم الواحد لأكثر من مليون ليرة.

ويبلغ سعر كيس البذار لأكثر من 100 دولار، ويكفي لإنبات 5 دونمات، فيما وصل سعر كيس السماد “الترابي” الأسود إلى 350 ألف ليرة.

ويقول حمود الخلف، رئيس مكتب الوقاية في لجنة الزراعة في مجلس الرقة المدني، إنه خلال جولاتهم لاحظوا انتشار كبير لدودة حفّار الساق المُسجّلة سابقاً، بالإضافة لدودة “الحشد الخريفي”، التي سُجّلت في المنطقة؛ العام الماضي، وتعتبر “دخيلة” وتشكِّل خطراً داهماً على الحقول.

ويعزو “الخلف”، الانتشار الكبير للآفات بموسم الذرة الصفراء؛ لعدم اتباع المزارع للوقاية بشكل صحيح، وهي مكافحة الدودة في طور اليرقة قبل تناميها، والمكافحة في المراحل الأولى حيث يكون النبات قصير والأطوار اليرقية للدودة في مراحلها الأولى، إذ لا تستطيع التخفّي ضمن النبات.

ويُضيف أن عدم وجود مخابر لدى مكتب الوقاية لاختبار المبيدات؛ أثّر بشكلٍ كبير على المزارعين، خاصة في ظلّ الدخول العشوائي للبذور والمبيدات الزراعية.

وفي تصريح سابق، لنورث برس، قال “الخلف”؛ إنهم يحتاجون لمخابر وخِبرات لتحليل المادة الوراثية للآفات، ولجنة الزراعة “عاجزة” عنها في الوقت الحالي؛ بسبب ضعف الإمكانيات، وعدم التعاون من قِبل المنظمات الدولية العاملة بهذا المجال.

ويُضيف إن دودة الحشد الخريفي؛ هي من الحشرات المهاجرة، لذلك اكتسبت مناعة ضدّ المبيدات المستخدمة في المنطقة، وأصبح لديها سلالات مقاومة للمبيدات التقليدية.

إعداد وتحرير: زانا العلي