مخلفات الحرب تسبب مأساة لعائلة نازحة في كوباني
كوباني – نورث برس
يستل كيساً من جيبه، والقلق بادياً في محياه، يفتح الكيس يبدأ بلف سيجارة “تتن”، يرطبها بلسانه في لحظة شرود، يهز برأسه، رافضاً ما حصل أو حتى أنه نادماً.
يشعل خالد سيجارته، ينفث دخانها، فتقاطع زوجته التي تقطع الخضار تحضيراً لوجبة غداء، لحظته تلك، “جيب ابنك لا يصوّب حاله”.
خالد الهويّس، نازح من ريف حماة، سكن وعائلته المكونة من أربعة أطفال وزوجته، في ريف كوباني في رحلته للبحث عن كلئ لأغنامه، عاشت العائلة بسلام، حيث الأمان والمرعى المتوفر لأغنامهم.
لكن مصاباً حل بالعائلة، مطلع الشهر الجاري، حين جلب الأطفال قطعة حديد من الأرض حيث ترعى أغنامهم، قبل الحادثة كانوا يظنوها قطعة حديد، إلى أن انفجرت.

حينها، علموا أنها لغماً من مخلفات الحرب، لكن الأوان قد فات، أصاب اللغم جميع أطفال النازح.
يقوم “الهويس” من مكانه حيث يجلس في بيت الشعر، يجلب طفله المصاب في قدمه ويجلسه بحضنه، وتأتي طفلته المصابة بيدها هي الأخرى، وتفسح مجالاً وتجلس بحضن أبيها.
أمّا طفليه الأخريّن فقد أرسلهما إلى الرقة لتلقي العلاج برفقة عمهما، إثر إصابتهما البليغة، إذ بتُرت ساق ويد أحدهما والآخر أصيب بنزيف دماغي مع كسر ساق وجروح متعددة وهما في “حالة حرجة”.
وتتحدث إحصائيات منظمة حقوق الإنسان في إقليم الفرات عن أن خمسة أطفال أصيبوا وفقد طفل حياته جراء انفجار ألغام بالمنطقة منذ بداية العام الجاري.
فيما سجلت المنطقة خلال العام الماضي، أربعة إصابات وخمسة حالات وفاة من الأطفال بمختلف قرى ومناطق الاقليم نتيجة انفجار مخلفات الحرب بهم، بحسب المنظمة.
وبدأ الرجل يفكر بالرحيل من مكانه لمعالجة طفليه، لكن يعيقه ما تبقّى من عائلته وأغنامه، مصدر رزقه الوحيد.
وفي الوقت ذاته، لا يستطيع الذهاب أبعد من الرقة، وإذا ما تطلّب الأمر السفر لمناطق سيطرة دمشق، لن يذهب، خوفاً من السوق للخدمة العسكرية أو الاعتقال.
وبينما يروي ذلك، تقاطعه زوجته خالدية، بلهجة محليّة، “آني أروح معاهم، ما أقعد على ولدي وهم بهلحالة”.
خالدية الفهد، هي أم الأطفال، تقول إنها رأت تلك القطعة بيد أطفالها، لكنها لم تعلم إنها لغماً لقلة معرفتها بذلك، ولم يسبق لها أن رأت ألغاماً، ثم أنه لم يحذرها أحد مسبقاً من خطرها.
تروي والدموع تملأ أحداقها، “رأيتهم يلعبون بتلك القطعة وكان الكبير منهم يربطها بخيط ويلوّح بها، فجأة سمعت صوتاً”.
تباغتها العبرة وتكمل، “ذهبت لأرى ما حدث، رأيت أطفالي ممددين ويسبحون بدمائهم، رأيت عظام الساق واليد لولديّ بعيني، كان منظراً مخيفاً”.

تلك الحادثة أضرت بالعائلة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعانون منها.
ولا تتمنى عائلة “الهويّس” مرور عائلات أخرى بتلك المعاناة، وتوجهوا بالنداء للمنظمات العاملة في مجال الألغام لإزالتها وخاصة أنها تهدد حياة آلاف السكان في كوباني.
وأمام مطالبة العائلة تقول الإدارة الذاتية لإقليم الفرات، إنها لا تمتلك كوادر مختصة بإزالة الألغام، وطالبت بدورها المنظمات والمؤسسات الدولية للتدخل وإزالة هذه المخلفات، دون أي استجابة منها.
ويؤكد نائب الرئاسة المشتركة لإقليم الفرات نهاد أحمد أن هناك “الكثير من الألغام في الأراضي الزراعية”.
وعلى الرغم من إدراجها للألغام في جداول أعمالها واجتماعاتها مع التحالف، إلا أن الإدارة لم تتلقَ سوى الوعود، وتطالب الأخيرة بتدخل المنظمات الدولية المختصة بإزالة الألغام.