تداعيات حرب أوكرانيا على سياسة روسيا في سوريا

التقدُّم الذي حقّقته القوات الأوكرانية في مقاطعة خاركيف مؤخراً، وعقبه دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى التعبئة الجزئية، واستدعاء مئات آلاف الروس إلى ساحات القتال، أكّدا ما ذهبت إليه التوقّعات بأن الحرب الروسية – الأوكرانية؛ ستكون طويلة بهدفٍ أساسي هو استنزاف روسيا، هذه الخلاصة بعد قُرابة نحو تسعة أشهر من هذه الحرب؛ دفعت بالمحلّلين السياسيين إلى رصد تداعياتها على الأزمة السورية، ودور روسيا في هذه الأزمة، وتداعياتها على اللاعبين الإقليميين والدوليين، لاسيما تلك الدول التي لها قوات على الأراضي السورية، وعلى رأسها تركيا وإيران والولايات المتحدة، فضلاً عن روسيا.

المتابع للتحرُّك الروسي عقب هذه التطوّرات، لا بدّ أن يقف عند عاملين أو مستويين :

الأول – التحرُّك الروسي على خط دمشق – أنقرة؛ بغية تحقيق مصالحة بينهما، ولعلّ هذا ما يفسر الحديث الروسي المتواصل عن رغبة موسكو في رعاية لقاءات سياسية بين مسؤولي البلدين بعد اللقاءات الأمنية بينهما، وحينما تندفع موسكو في هذا الاتجاه فإنها تضع نصب عينها ترتيب مشهد الشمال السوري، كي لا تحدث تطوّرات غير محسوبة من الجانب التركي الذي يبدو اللاعب الأكثر خطورة؛ في ظلّ سعيها إلى القيام بعمليات عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا، ولعلّ تقاطع رغبة أنقرة مع رغبة موسكو بهذا الخصوص، يجعل من الانعطافة التركية نحو دمشق منسجمة مع المسعى الروسي السابق، رغم تباعد مواقف وشروط كل من دمشق وأنقرة بشأن المصالحة بينهما.

الثاني – إن إطالة الحرب الروسية – الأوكرانية؛ ستدفع بموسكو إلى النظر في طبيعة قواتها في سوريا، ولعلّ إشارة الكثير من التقارير إلى سحب روسيا؛ قوات ومعدّات حربية لها من سوريا؛ لإستخدامها في الحرب ضدّ أوكرانيا؛ يؤكّد أن هذا المسار سيكون العنوان الأبرز في المرحلة المقبلة، في ظل اعتقادها أنها حققت جميع أهدافها في سوريا، خاصة لجهة تثبيت النظام، وتحقيق نفوذ قوي في سوريا والبحر الأبيض المتوسط بعد إقامة قواعد عسكرية في عدّة مناطق سورية، وجعل مسار أستانا – سوتشي واقعاً في مسار الأزمة السورية على حساب مسار جنيف، على شكل استفراد بالحلّ السياسي.

في الواقع، ما سبق يؤكّد مدى حقيقة ارتباط الأزمتين السورية – الأوكرانية، وفي الوقت نفسه يُشير إلى إمكانية ما سيفعله الغرب وتحديداً الولايات المتحدة إزاء كلّ من الأزمتين، إذ ثمة من يرى أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ستدفع بالإدارة الأميركية إلى التحرّك أكثر على مسار الأزمة السورية، دون التخلّي عن دعمها الكبير لكييف، وذلك بغية استنزاف روسيا أكثر، وربما دفعها إلى إعادة النظر في سياستها إزاء الأزمة السورية، وصولاً إلى البحث عن حلول سياسية لهذه الأزمة في ضوء القرار الدولي 2254، رغم نعي البعض لهذا القرار على وقع جموده لصالح تقدُّم مسار أستانا- سوتشي.

 والثابت هنا، أن روسيا في سياستها إزاء الأزمة السورية في ضوء التطوّرات الجارية؛ تنظر إلى عاملين مهمين: الأول، أن لا تكون سياستها الجديدة في سوريا، لصالح استفراد إيران بالأزمة السورية، خاصة لجهة ملء الفراغ على الأرض، والثانية، الحفاظ على تفاهماتها مع إسرائيل بخصوص الأجواء السورية، ولعل هذا ما يفسر زيادة وتيرة الهجمات الإسرائيلية ضدّ النفوذ الإيراني في سوريا، وبالمجمل فإن التطوّرات السابقة تضع الأزمة السورية أمام مرحلة جديدة، ربما عنوانها الأبرز الاستعداد على الأرض لجولة جديدة من العنف، وما التسخين الجاري في جبهة الجنوب إلا تعبير مبكّر عن هذا المؤشّر، رغم أن المشهد في الشمال وتحديداً في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا؛ يوحي بعكس ذلك،    حيث الحديث عن أولوية العامل الاقتصادي والتجاري عبر فتح معابر حدودية مع المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، وإعادة هيكلة الفصائل المسلحة بدفع من تركيا.

من دون شك، ترابط  الأزمتين الأوكرانية – السورية، على النحو السابق؛ قد يفتح الباب أمام معادلة جديدة لاسيما في ظلّ القناعة باستحالة هزيمة أوكرانيا؛ في الحرب مع روسيا، واستحالة هزيمة الأخيرة في هذه الحرب، وهي معادلة يرى البعض أنها قد تفتح الطريق لمرونة روسية في الأزمة السورية، وإفساح المجال أمام حلول سياسية؛ مقابل تهدئة غربية على جبهة أوكرانيا، وصولاً إلى تسوية بينها وروسيا، وهي تسوية تفتح في الوقت نفسه الطريق لتسوية روسية – أوكرانية، تبقى على القواعد السابقة للعلاقة بين الجانبين.