تل تمر – جيندار عبدالقادر/ دلسوز يوسف – NPA
"عندما خرجنا من عفرين كنا تائهين لا نعرف إلى أين سنتجه، لقد تشتت الشعب وانتهى بنا المطاف هنا في قرية تل نصري"، يقول صبري معمو وهو واحد من بين مئات المهجرين من مدينة عفرين الذين توجهوا إلى الجزيرة السورية بعد أن تقطعت به السبل، عقب سيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية المسلحة عليها، ليكون بذلك ملاذاً له، على آمل العودة يوماً إلى دياره.
ومع تهجير سكان منطقة عفرين بريف حلب الشمالي من ديارهم في آذار/مارس العام الماضي، استضافت قرية تل نصري /1/ كم جنوبي بلدة تل تمر (غربي مدينة الحسكة) مئات العوائل, تلك القرية التي لازالت آثار الدمار الذي خلفه تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)شاهدة عليه، في البنى التحتية، وخاصة كنيسة القرية التي سويت بالأرض، ما تسبب في هجرة جميع سكانها الأصليين فلم يبقَ فيها سوى أربعة أشخاص.
ويقول معمو وهو من سكان ناحية بلبل بمنطقة عفرين، ويشغل الرئيس المشارك لمجلس القرية، عن رحلة نزوحهم "تشتت الشعب بين من تبقى في مناطق بريف حلب الشمالي، ومن توجه إلى مناطق متفرقة سواء أكانت (حلب – الحسكة – كوباني).
ويضيف معمو "عندما جئنا إلى هذه القرية كانت مدمرة بشكل شبه كامل، لكن بمساعدة بلدية تل تمر والمجلس المحلي قمنا بترميم المنازل الصالحة للسكن وتنظيفها"، مشيراً إلى أنه "في بادئ الأمر كان عددنا أربع عوائل فقط".
وتدفقت العوائل المهجرة من عفرين إلى قرية تل نصري على شكل دفعات ليبلغ عدد العوائل القاطنة في القرية حالياً حوالي /140/ عائلة مؤلفة من أكثر /500/ فرد تقريباً, حيث تمت عملية استقبالهم بالتنسيق مع الكنيسة والجهات الرسمية الآشورية في المنطقة, حسب صبري معمو.
ويقطن في قرية تل نصري إلى جانب مهجري عفرين، ثلاث عوائل عربية نازحة من مدينة دير الزور شرقي البلاد, ويوزع مهجرو عفرين على المنازل في القرية حسب تعدادهم، حيث يقطن في بعض المنازل أكثر من عائلة.
وبحسب الرئيس المشارك لمجلس القرية، أنه تم تأمين فرص عمل لكافة العوائل لتلبية متطلباتهم وحاجياتهم، واصفاً القرية بـ"المخيم"، قائلاً "ما يميز طبيعة السكن هنا عن باقي المخيمات، هي الحرية المطلقة في التنقل ونحن سعداء بالمعاملة الجيدة التي نتلقاها من محيطنا".
ودأبت المنظمات الإغاثية التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرقي سوريا على تقديم الخدمات للقاطنين في القرية، حتى قبل عدة أشهر، لتغلق مكتبها ضمن القرية، لأسباب لم يرد معمو الكشف عنها.
نهضة اقتصادية
لم يكن سهلاً على سكان عفرين ترك أراضيهم والفرار بأرواحهم نحو المجهول، خاصة وأن منطقة عفرين شهدت نهضة اقتصادية وعمرانية غير مسبوقة طيلة العقد الأخير.
ويقول أبو خبات من ناحية ماباتا بمنطقة عفرين، الذي كان مهندساً ومدرساً في الثانوية الصناعية بعفرين، إن "منطقة عفرين شهدت طفرة اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية، ويعود ذلك إلى التجارة الحرة للمواطنين بعد الخلاص من احتكار التجار للمحاصيل أثناء حكم النظام السوري للمنطقة".
وشهدت مدينة عفرين طيلة /58/ يوماً حرباً بين وحدات حماية الشعب من جهة، والجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية له، مما أدى لتهجير حوالي //350 ألف شخص إلى ريف حلب الشمالي، وتوجه البعض الآخر إلى منطقة الجزيرة السورية وكوباني/عين العرب.
ويروي أبو خبات معاناتهم جراء الحرب "شتت أهالي عفرين وتوجهت كل مجموعة إلى منطقة، كان هدفنا الوصول إلى مكان آمن والنوم بأمان, لم نتمكن لمدة شهرين من النوم هنيئاً جراء القصف والحرب".
ويشبّه مهجرو عفرين مأساتهم بما حل بسكان قرية تل نصري اللذين هجروا إثر هجمات تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) التي أضحت اليوم شبه خالية من سكانها الأصليين.
عبد الرحمن شيخو من سكان ناحية شيراوا بمنطقة عفرين، ترك ورائه /700/ شجرة زيتون و/400/ شجرة كرز، يعود بذاكرته إلى ما قبل الحرب على عفرين ويقول "كنا نعيش حياة هادئة وهانئة، نعتني بحقولنا بكل سلام وألفة".
ولم يتخيل شيخو أن يخرج يوماً من عفرين, قائلاً "كانت الحرب فوق استطاعتنا نتيجة الهجمة الشرسة، الشعب الكردي في عفرين كان ضحية اتفاقات دولية".
ويتذكر الرجل السبعيني لحظات قصف الطائرات محيط قريتهم بالقول "عفرين كانت تحتضن نازحين من مختلف المناطق السورية في مخيم روبار بناحية شيراوا، لكن بعد أن خرجت /13/ طائرة تركية وقصفت محيط القرية, نزح جميع قاطني المخيم صوب القرية ما سبب حالة هلع وخوف بين الجميع وكأنها يوم القيامة، خرج أهل القرية بلباسهم فقط، حيث "فقد حينها الكثير من المدنيين لحياتهم نتيجة القصف".
وبيّن شيخو أن الجيش التركي والفصائل التابعة له قاموا باختطافه مع ثلاثة من سكان القرية "بتهمة التعاون مع وحدات حماية الشعب"، مشيراً إلى أنهم طلبوا مرات عديدة فدية مالية مقابل إطلاق سراحه, ليوضح هو أنه لا يملك المال, ليتم بعد شهر من التعذيب والضرب الإفراج عنه, حسب شيخو.
وأوضح شيخو أن الجيش التركي والفصائل التابعة له أحرقوا منزله وقطعوا أشجار زيتونه عقب الخروج من عفرين، مطالباً المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة "بإخراج تركيا والجماعات التابعة لها من عفرين ليتسنى لنا العودة إلى أرضنا".
بدورها تقول ألمازة محمد زوجة عبد الرحمن التي كانت تجلس بجواره، "بعد اعتقال زوجي قمنا بالفرار مع ابني من القرية بعد ورود معلومات باعتقالنا نحن أيضاً، لقد عشنا على أعصابنا خاصة بتتالي المعلومات بقتل زوجي"، منوهة أنه بعد إطلاق سراحه "عدنا إلى قريتنا فكان بيتنا خالياً من محتوياته لقد تم سرقته ولم يبقى فيه شيء".
وتضيف محمد "حينها كان وقت جني موسم الكرز, لكن تلك المجاميع قامت بجنيه لصالحها ولم تسمح لنا بالاقتراب منه، مما اضطررنا للخروج من أرضنا مجدداً، لقد كانت أيام سوداء حقاً".
"سعداء بتواجدهم"
ومع استضافة الآشوريين لمهجري عفرين، ترددت الكثير من الأقاويل بين الأوساط الآشورية في الخارج وبعض الاطراف في المنطقة "باحتلال القرية".
يقول سامي يوحنا من السكان الأصليين للقرية "تم استقبال أهالي عفرين عبر التواصل مع كافة اللجان الأشورية وعليه قمنا باستقبالهم ولم يجبرنا أحد أو يفرض علينا القوة ليقطنوا في القرية"، مبيناً أن أهل عفرين يهتمون بمنازل القرية.
ويؤكد يوحنا، بأنهم سعداء بتواجدهم هنا، متأملاً أن "يتحرر منطقتهم بأقرب وقت ويعود جميعهم إلى ديارهم".